مع الإنتشار المحدود للجيش التونسي في عدد من مناطق البلاد، خلال الإحتجاجات الأخيرة، إختلفت التفسيرات بهذا الشأن لتتقاطع عند المخاوف من المخاطر التي قد يثيرها الحضور العسكري على الديمقراطية التونسية الناشئة، غير أن محللين نفوا وجود أي مخاوف أو مخاطر بهذا الشأن، مرجعين الإنتشار العسكري المحدود إلى عوامل أخرى مرتبطة في مجملها بما يقتضيه الوضع الأمني في حالات الحراك الإجتماعي.
* تدخل الجيش فرضه تدهور الوضع الأمني:
مختار بن نصر، العميد المتقاعد بالجيش التونسي والمتحدث السابق بإسم وزارة الدفاع، رأى أن "المطالب الشرعية العادية التي رفعتها، في بداية الإحتجاجات، بعض الأحزاب المعارضة، تحوّلت إلى نوع من العصيان المدني".
عصيان مدني تجلى من خلال "عمليات السطو، طيلة 3 ليال متتالية، على أملاك الغير، والإعتداء على المرافق العامة والخاصة، ما دفع الجيش إلى التدخل في بعض الأماكن لمعاضدة الجهود الأمنية، من خلال الدوريات أو الإنتصاب أمام بعض النقاط الحساسة والحيوية، لمنع العناصر التخريبية ".
ووفق بن نصر، فإن "بعض المواطنين تعاطفوا مع الجيش والأمن، وفهموا أن اللعبة (الإحتجاجات المصحوبة بالعنف) ترمي إلى إرباك المسيرات السلمية، وتدمير بعض المؤسسات، فقاموا هم أيضا بمنع ذلك".
إحتجاجات قال العميد المتقاعد إنها بدأت تحت مسمى رفض قانون المالية، وبدأت يوم الأحد الماضي (07 جانفي) مسيرة عادية في شارع الحبيب بورقيبة، لترفع فيما بعد شعارات منافية للأخلاق وتمس برموز الدولة، بينهم رئيس الحكومة (يوسف الشاهد) ورئيس الجمهورية (الباجي قايد السبسي)، قبل أن يفرّقها الأمن"، غير أن الإحتجاجات تحوّلت، فيما بعد، إلى "أعمال عنف ليلية، وقطع طرقات، وإستيلاء على أملاك الغير، وتدمير البنى التحتية لبعض المراكز والسيارات الأمنية "، وفق العميد التونسي المتقاعد.
ومن هذا المنطلق، يضع بن نصر إنتشار الجيش في إطار "الثقة التي تحظى بها المؤسسة العسكرية في الأوساط الشعبية، ما ييسّر عملها على الأرض".
جزئية تلاقي تأييدا من قبل المحلل السياسي، نصر الدين بن حديد والذي إعتبر بدوره "الجيش المؤسسة الوحيدة التي تحظى بإحترام في العمق الشعبي، ما يجعل إستهداف عناصرها من قبل المحتجين أصعب بكثير مقارنة بقوات الأمن"، إلا أن الثقة وحدها لا تفسر اللجوء إلى نشر الجيش، وفق بن حديد، بل تلعب " تجربته في إحتواء الوضع العام بالبلاد، حيث سبقت له تجربة في هذا السياق (خلال الثورة)، وأحرز نتائج طيبة ".
* إنتشار الجيش ومكافحة الإرهاب:
رغم الدور الذي يلعبه الجيش في الحالات الطارئة بالبلاد، إلا أن محللين يخشون من إحتمالات تأثير هذا الإنتشار على جهود مكافحة الإرهاب.
الباحث في علم الإجتماع، هشام الحاجي إعتبر أن إنتشار الجيش "سيكون على حساب جزء من مكافحة الإرهاب"، مستدركا أنّ "الخطة (نشر محدود للجيش) إضطرت لها الحكومة لحفظ الأمن والحفاظ على الممتلكات، وخاصة المنشآت الحيوية الحساسة من الناحية الأمنية والإقتصادية ".
من جهته، توسع العميد بن نصر في إحتمالات تأثير الجيش على جهود مكافحة الإرهاب، لافتا إلى وجود إنتشار عسكري على الحدود مع ليبيا، "نظرا للوضع الأمني الإقليمي"، في إشارة إلى المخاطر الأمنية المرتبطة بالأزمة الليبية.
كما أشار بن نصر إلى "إستمرار العمليات العسكرية التي تستهدف الإرهابيّين في الجبال"، محذرا من أن ال‘حتجاجات الليلية التي تتخللها أعمال التخريب "من شأنها أن تجعل الإرهابيّين يتحركون لتغيير مواقعهم، وربما تعطيهم الفرصة للقيام بأعمال إرهابية ".
* لا مخاوف على الديمقراطية الناشئة:
العميد بن نصر إستبعد تدخل الجيش في العملية السياسية في تونس، مشددا على أن مثل هذا الأمر "مرفوض" تماما.
وقال إن "الجيش التونسي واع وناضج، وهو جيش جمهوري، وأثناء الثورة تعالت نداءات تدعوه للعب دور سياسي، لكنه نأى بنفسه عن جميع التجاذبات، وإختار أن يكون جيشا جمهوريا ".
بن نصر إستحضر المذكرة التي أرسلها الجيش، بداية الثورة، وعند تشكّل المجلس الوطني التأسيسي (ديسمبر 2011)، إلى المجلس، طلب فيها إخضاع المؤسسة العسكرية لرقابة الديمقراطية، وضبط مهامها في الدستور، وخاصة منع تشكيل أي مليشيات مسلحة غير الجيش والأمن والحماية المدينة والديوانة وأمن السجون.
طلب جاء إستنادا إلى المادة 17 من الدستور التونسي، والتي تنص على إحتكار الدولة إنشاء القوات المسلحة وقوات الأمن الداخلي، والمادة 18 التي تنص على أن الجيش التونسي "جيش جمهوري (...) يضطلع بواجب الدفاع عن الوطن (...) وهو ملزم بالحياد التام ..".
طرح أيّده فيه المحلل السياسي بن حديد، محذرا - في الآن نفسه - من مساعي "البعض" (لم يحددهم) إلى "تدخل الجيش في الشأن السياسي".
وتوضيحا للجزئية الأخيرة، قال بن حديد: "هناك مساع منذ 14 جانفي 2011، لإدخال الجيش في اللعبة السياسية، غير أن تلك المساعي تصطدم بعوائق على مستوييْن، أولهما أن الجيش التونسي ليس بالقوة التي تمكنه من مسك البلاد سياسيا وأمنيا وعسكريا، وثانيهما لوجود قيادات عسكرية بالجيش ترفض بشكل صارم دخول الجيش للحرم السياسي".
ومطمئنا: "على المدى القريب والمتوسط، لا خوف على البلاد ولا على الجيش ليصبح جيشا على الطريقة المصرية، إن أردنا التشبيه"، في إشارة إلى إمسك الجيش المصري بزمام الحكم في بلاده.
أما الباحث الإجتماعي، هشام الحاجي فيرى من جهته، "أن الذين يفكرون في إدخال الجيش إلى اللعبة السياسية غير مطلعين على تاريخ تونس".
وتابع: " لا ننسى الدور الذي لعبه الجيش التونسي في 14 جانفي 2011 في تأمين الإنتقال الديمقراطي، وفي تأمين مدنية السلطة في الوقت الذي كان فيه الجيش هو الفاعل الأساسي في حفظ النظام، وفي الضغط ضمنيا على الرئيس الأسبق (زين العابدين بن علي)، لدفعه إلى مغادرة البلاد".
( المصدر : وكالة الأناضول)