لم يعد يفصلنا على إنتهاء مدة الـ30 يوما التي حددها رئيس الجمهورية للعمل بالإجراءات الاستثنائية والقرارات المعلن عنها تزامنا مع عيد الجمهورية في 25 جويلية 2021 تفعيلا للفصل 80 من الدستور إلا بضعة أيام
قرارات سعيّد أسالت الكثير من الحبر وأثارت جدلا بين من وصفوه بـ"الإنقلابي" وبين من يعتبره الرجل الشجاع الذي منح تونس فرصة جديدة للقطع مع المنظومة السابقة ومحاسبة الفاسدين
جدل تلته مطالب ونداءات متكرّرة لأحزاب ومنظمات وجمعيات بضرورة التسريع في إنهاء مدّة العمل بالإجراءات الاستثنائية في ظل مخاوف على الحريّات العامة والخاصة رغم رسائل الطمأنة التي ما فتئ يرسلها سعيّد في جميع خطاباته بأنه "لا خوف على الحريات"
غموض حفّ إجراءات سعيّد منذ إعلان قراراته يوم عيد الجمهورية فتح الباب على مصراعيه للإشاعات والأخبار الزائفة في ظل غياب معطيات واضحة من الجهات الرسمية
منع من السفر ووضع قيد الاقامة الجبرية لا نعلم إلى الآن في حق من أتخذت وحتى كم عددهم ولا أسباب منعهم ووضعهم تحت الإقامة الجبرية
الغموض يلقي بظلاله أيضا عن الخطوات المقبلة للرئيس في ظل غياب لخارطة طريق... كثر الطلب عليها ليردّ ساكن القصر خلال زيارته لمطار تونس قرطاج مؤخرا "لا رجوع إلى الوراء..لا حوار ولا خارطة طريق"
ردّ الرئيس يبقي السؤال الحارق يتكرّر "هل سيمدّد أستاذ القانون الدستوري الرئيس سعيّد في آجال العمل بالقرارات الإستثنائية ؟"
لا رقيب ولا حسيب على الرئيس...
أستاذ القانون الدستوري رابح الخرايفي أكد في تصريح لـ"آخر خبر أونلاين" اليوم الخميس، أن إستخدام الفصل 80 يمنح صلاحيات واسعة جدا لرئيس الجمهورية، مؤكدا أنه لا رقيب ولا حسيب عليه إلا المحكمة الدستورية
وقال الخرايفي "طالما المحكمة الدستورية غير موجودة، فإن كل الصلاحيات ممنوحة لرئيس الجمهورية وبالتالي فهو الشخص الوحيد المخوّل لتأويل وتفسير الدستور خاصة وأن الفصل 80 لم يحدد آجال الاجراءات المعلن عنها في 25 جويلية رغم تحدث رئيس الجمهورية عن شهر"
وإعتبر محدّثنا أن الآجال الدستورية ليست بغاية الأهمية التي يكتسيها دوافع تفعيل الفصل 80 من الدستور والذي يقرّ بأن تفعيله يكون في حال وجود خطر داهم يهدد البلاد
الإجراءات الإستثنائية يمكن أن تمتد إلى غاية جانفي 2022
وشدّد الخرايفي على أنه لا يمكن الحديث على أن رئيس الجمهورية قد خرق الآجال إلا إذا خرج وخاطب الشعب وأعلن عن إنتهاء الأسباب، متابعا "يمكن التمديد في آجال العمل بالإجراءات الاستثنائية ويمكن أن تقترن هذه الآجال المفتوحة مع حالة الطوارئ التي تمتد من 23 جويلية إلى 19 جانفي 2022، ما يعني أنه يمكن إعتبار أن حالة الإستثناء متطابقة مع مدة الطوارئ ومدّة العمل بالتدابير الإستثنائية تنتهي عندما يخاطب رئيس الدولة شعبه"
تعيين رئيس حكومة من الأولويّات
ورأى محدثنا أنه من المستحسن اليوم تعيين رئيس للحكومة ليهتم بالملفات الاجتماعية والاقتصادية للبلاد ليتمكّن رئيس الجمهورية من العمل على ملف مكافحة الفساد كما شرع فيه، موضّحا "لا يمكن لرئيس الجمهورية القيام بكافة المهام بمفرده وفي وقت وجيز، ما يتطلب فريقا متكاملا للعمل... وأهم من أن يعتبر أنه يملك عصى موسى وهو الذي سيتصرف بالبلاد بمفرده... للحكومة قيمتها وللمجلس التشريعي قيمته أيضا، خاصة وأن البلاد مقبلة على قانون المالية".
نواب هاربون وآخرون في السجون... البرلمان إنتهى
وإعتبر أن الخطير هو عدم عودة البرلمان لسالف نشاطه رغم أن البرلمان إنتهى واقعيا وقانونيا معلّق النشاط ، خاصة وأن عددا من النوّاب غادروا البلاد هروبا من المحاسبة ومنهم من يقبع بالسجن ومنهم من هم متابعون قضائيا وآخرون يرفضون عودة البرلمان بمشهده السابق
قرارات سعيّد قائمة على عنوان دستوري لم تتوفّر أركانه
أستاذ القانون الدستوري والمحلل السياسي، عبد الرزاق المختار يرى "أن ما حدث يوم 25 جويلية المنقضي كان منتظرا وأُعتبر للبعض حلا لأزمة وظيفية للنظام السياسي بالرغم أنه من الناحية الدستورية قائم على عنوان دستوري لم تتوفر أركانه وشروطه وهو الفصل 80
ورأى المختار أن ما فاقم الأمر هو إستتباعات وإنتظارات ما بعد تفعيل الفصل 80 من الدستور التي تحولت في تقديره، إلى جملة من المآزق من الناحية الدستورية، خاصة وأنه لليوم لا تبرير واضحا بإعتبار أن الأمر يتطلب وجود بيان واضح معلل لمنطق 25 جويلية، رغم أنه قد يكون واضحا سياسيا
وأضاف "هناك عدم وضوح للتدابير الإستثنائية... هل تمثلت التدابير في تجميد البرلمان وإعفاء الحكومة؟... تحت أيّ عنوان سيتم تكليف رئيس حكومة ؟. ..وهل سيكون ضمن الفصل 80 من الدستور؟"
ولفت إلى أنه ضمن الاجراءات هناك إكراهات للفصل 80، وهو البقاء داخل دستور 2014 والحال أن ما تمّ يعدّ تعليقا للدستور عبر تعليق جميع المؤسسات وإبقاء الرئاسة فقط، أي تعطيل كل المؤسسات ومركزة السلطات بيد رئيس الجمهورية
سعيّد أمام خيارين
كما رأى عبد الرزاق المختار أن الرئيس قيس سعيّد أمام خيارين، إما البقاء تحت غطاء دستور 2014، وهو ما يعني أن الفصل 80 يتفاعل مع بقية فصول الدستور، ملاحظا أن البقاء تحت غطاء دستور 2014 لا يعني بالضرورة عودة المؤسسات على حالها بنفس المهام والذي يعتقد أنه يتطلب التوافقات السياسية الكبرى والعقد السياسي الواسع والمدني
وأضاف أن التوافقات في حدّ ذاتها تتطلّب إبقاء قواعد اللعبة السياسية إلى حد ما ضمن قواعدها الكلاسيكية وهي الأحزاب والمنظمات الوطنية وغيرها ضمن مقاربة تشاركية ميزتها الرئيسية ستوفر الإستدامة للمنطق الجديد والعودة إلى الشرعية الدستورية.
ويعتبر محدّثنا أن الخيار الثاني هو الذهاب في مقاربة التنظيم المؤقت للسلط العمومية، وهو الأرجح، مشدّدا على أن هذه المقاربة تثير مخاوف القرارات الأحادية أي بالمعنى السياسي المسؤولية الكاملة ستكون لرئيس الجمهورية، وهو ما قد يخلق نوعا من الجفاء بين الرئيس والقوى المدنية والسياسية بأقدار متفاوتة حسب مواقف عدد من الأحزاب وسيكون محفوفا بتأييد شعبي لكنه سيتحمل في نفس الوقت هندسة المرحلة القادمة لوحده
وأوضح المختار أن الخيارين هما إما التوجّه نحو خيار تشاركي ليس بالتحديد مع حركة النهضة، أي مع المجتمع المدني وبقية الأطراف السياسية الأخرى لرسم وهندسة المرحلة القادمة أو إعادة قلب المعطيات والبدء في تأسيس جديد وفق ما يسميه رئيس الجمهورية والذي يقوم على نوع من الإمتهان للأحزاب السياسية وللممارسة السياسية التقليدية
الرئيس ليس إنقلابيا وهذا عدوّه الرئيسي
وأوضح المختار أن عنوان المرحلة هو الخروج عن دستور 2014 والدخول في عملية إنتقالية جديدة لا يعرف شكلها، مؤكدا أن تفعيل الفصل 80 مخالفة دستورية فادحة وخطيرة نتيجة فشل سياسي ولا يمكن إعتباره في نفس الوقت إنقلابا عن الدستور بإعتبار أن كل ما يمارس تحت غطاء حتى وإن كان في بعض حدوده الدنيا
وشدد على أن هناك غموض في موقف الرئيس، فضلا عن غياب خارطة طريق
وختم قائلا " العدو الرئيسي لرئيس الجمهورية هو الوقت بإعتبار أن مهلة الشهر تنتهي يوم 24 أوت" .