نشرت صحيفة " آخر خبر" الأسبوعية قبل اسابيع تحليلا للزميل توفيق العياشي بعد فوز حزب العدالة و التنمية المغربية بالانتخابات البرلمانية تضمن الاستنتاجات تأكدت مساء امس باعفاء بنكيران من تشكيل الحكومة.
و نظرا لأهمية التحليل نعيد نشره.
قد لا يكفي قول رئيس الحكومة المغربي وقائد حزب العدالة والتنمية "عبد الاله بن كيران" "صدقوني لا علاقة لنا بالاخوان المسلمين" وقد لا يكفي اعترافه بان الملك هو الحاكم الفعلي في المغرب، كما لا يكفي ما يدركه المراقبون حول حجم الورطة التي يخبط فيها حزب "بن كيران" قبل الانتخابات الأخيرة في المغرب وبشكل أكثر حدة وغموضا بعدها.
قد لا يكفي كل هذا لكبح طوفان تهليل الاسلاميين ذوي المرجعية الاخوانية سواء في مصر أو في تونس أو ليبيا بما يعتبرونه فوزا جديدا لفصيل اخواني قد يوقظ من جديد حلم عودة الاسلام السياسي الى واجهة الحكم بقوة بعد محنة السنوات الأخيرة.
التهافت العاطفي للإسلاميين وبحثهم عن أي انتصار معنوي يُرمّم ما ال اليهم وضعهم وحضورهم سواء في الحكم أو في المعارضة حجب حقائق كثيرة تتعلق بوضع حزب العدالة والتنمية في المغرب بعد الانتخابات، والذي يرتقي الى مستوى الورطة وقد ينتهي بسحب رئاسة الحكومة منه اذا تعذر على حزب بن كيران ايجاد تسويات وتقديم تنازلات مؤلمة لخصومه قبل حلفائه والبقاء داخل فلك اللعبة الكبرى التي يديرها "المخزن".
= الفوز المسموم
حصد حزب العدالة والتنمية 125 مقعدا في البرلمان مقابل حصول خصمه الرئيس حزب الاصالة والمعاصرة على 102 مقعدا، و حصدت الاحزاب ذات التوجهات اليسارية مجتمعة على أقل من 50 مقعدا، وقد كان فوز حزب العدالة والتنمية أمرا بديهيا ومتوقعا رغم الجراح التي كابدها طوال مسيرة قيادته للائتلاف الحاكم منذ سنة 2011، وذلك لأسباب تتعلق اساسا بالقدرة التنظيمية الهائلة والمستقرة التي يتمتع بها هذا الحزب على خلاف أغلب القوى المنافسة له فضلا عن مد جذوره في أغلب مفاصل الدولة والادارة وما يدره ذلك من استقرار نسبي في الرصيد الانتخابي المُتحرك.
وأمام ما أفرزته الانتخابات الاخيرة من نتائج يجد حزب العدالة والتنمية نفسه مجبرا عن البحث عن تحالفات مُكلفة لتكوين جبهة حكم يتوفر لها احتياطي نسبي من الاستقرار، وفي ظل هذه الفرضية تبدو الخيارات شحيحة امام حزب ابن كيران الذي لا حل أمامه سوى استدراج كل من حزب الاستقلال الحائز على 46 مقعدا والحركة الشعبية الحائزة على 27 مقعدا لتكوين جبهة حُكم توصف بالمُحافظة لمواجهة خصومه، وفي هذه الحال لا يمكن لهذا التحالف تحقيق اغلبية مطلقة داخل البرلمان الذي يضم 395 مقعدا.
أما الأكثر ايلاما لحزب ابن كيران في ظل هذه الفرضية فهو تقديمه لتنازلات هامة على مستوى الحقائب الوزارية لقوى لا يرتقي عدد مقاعدها مجتمعة الى نصف ما حصده حزب العدالة والتنمية، وبهذا الشكل سوف يخضع الى اقصى درجات "الابتزاز" التي ستكون نتائجها مُكلفة على حجمه الحكومي، وسوف تزيد تنازلات "بن كيران"، اذا ما فكر في ضم أحزاب "الكتلة" الديمقراطية (حزب الاتحاد الاشتراكي والاستقلال والتقدم والاشتراكية).
أما الفرضية التي يستبعدها المراقبون فتتمثل في اضطرار حزب العدالة والتنمية الى التحالف مع حزب الأصالة والمعاصرة الذي يُناقضه في الأهداف والشعارات وذلك بهدف تشكل جبهة حُكم واسعة، ولكن هذا الخيار يبقى قائما مادامت كل خيوط اللعبة تلتقي في عقدة "المخزن"- الملك_، الذي قد تكون له حسابات أشمل مرتبطة بمشهدية سياسية معينة يُراد تسويقها الى الخارج، وفي ظل انتفاء فرضية تحالف هاتين القوتين فان حزب الاصالة والمعاصرة سيكون الرابح الاكبر الذي ستتوفر له فرصة قيادة المعارضة وتطوير استعداته لخلافة حزب "بن كيران" في ظل فرضية عجزه عن تشكيل الحكومة.
= سيف الملك على رقبة بن كيران
بن كيران سيجد نفسه وفقا لنص الدستور المغربي مضطرا للبحث عن تزكية 198 نائبا لكي تعتبر حكومته مُنصّبة، وفي حال عدم نيلها التزكية فان ذلك يفسح المجال أمام الملك للتدخل خارج اطار الدستور بوصفه مؤتمنا على حماية البلاد فيختار شخصية اخرى من الحزب الثاني لتشكيل الحكومة. ولئن يستبعد مراقبون الجنوح الى هذا الخيار في الوقت الراهن نظرا لما سيثيره من انتقادات في الداخل والخارج، فانه لا شيء يمنع ان تبقى هذه الفرضية سيفا مشهرا في وجه زعيم العدالة والتنمية وهو ما يكُرهه على الخضوع لتنازلات تُبقى عليه في دائرة حسابات "المخزن" ولا تلقي به بعيدا عن السلطة.
= اسلاميو المغرب ولعبة الديكور
الخطاب المنتشي بما يعده البعض "فوزا ساحقا للاسلاميين في المغرب" يغفل حقيقة لا يمكن تجاوزها بخطاب النصر والمُكابرة وهي ان حزب عبد الاله بن كيران هو حزب صُنع داخل مخابر السلطة العليا في المغرب، وتم استجلابه الى السلطة سنة 2011 لقطع الطريق أمام أي محاولة لاستنساخ ما حدث في تونس ومصر وليبيا، وكذلك لتوريط جزء هام من الحركة الاسلامية في لعبة الحُكم وما يستتبع ذلك من استنزاف للرصيد الشعبي لهذه الحركة والبرهنة عن محدوديتها في ادارة الحكم.
هذا التشخيص لا يمنع أن مركز القرار السياسي في المغرب أسس من خلال الانتخابات الى مشهدية ديمقراطية اكثر توازنا بين قطب اسلامي خرج من الانتخابات رابح في موضع الخاسر وهو ما يُعمق ارتهانه الى "المخزن"، وبين قطب "حداثي ديمقراطي" يمكن توظيفه في لعبة صنع توازنات معينة يمكن ان تنتهي باستنساخ التجربة التونسية بعد انتخابات 2014.