صعد راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة الإسلامية التونسية من موقفه ارتباطا باقتراح حكومة الوحدة الوطنية الذي تقدم به الرئيس الباجي قائد السبسي، وطالب برئيس حكومة جديد يكون على مقاس حركته، مستفيدا في ذلك من انقسام وتشظي حركة نداء تونس، وارتباك المعارضة، وانعدام التوازن في المشهد السياسي العام.
وانتقل الغنوشي بسرعة من التلميح إلى المكتسبات السياسية التي يريد تحقيقها، إلى التصريح المباشر والعلني بضرورة أن تكون لحركته الكلمة الفصل في كل ما يهم رئاسة هذه الحكومة وتركيبتها وبرنامجها، وذلك في تطور لافت ربطه مراقبون بالمأزق الذي بدأ يُحيط باقتراح تشكيل حكومة وحدة وطنية، وبالنجاح الذي حققه الغنوشي في فرض أحد المحسوبين عليه رئيسا لمجلس شورى حركته.
وانتخب أعضاء مجلس شورى حركة النهضة مساء السبت، القيادي عبدالكريم الهاروني رئيسا لمجلسهم، خلفا لفتحي العيادي، وذلك بعد تنافس شارك فيه كل من الهاروني وعبداللطيف المكي، وفتحي العيادي، وعبدالرؤوف النجار.
وقد انسحب العيادي والنجار من الجولة الأولى لينحصر التنافس بين عبدالكريم الهاروني المحسوب على جناح راشد الغنوشي، وعبداللطيف المكي المحسوب على جناح “الصقور” الذي ينادي بتقليص صلاحيات الغنوشي. ورأى مراقبون أن هذا المكسب الجديد الذي حققه الغنوشي، من شأنه دعم مكانته داخل هذه الحركة المحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين، وهو مكسب دفعه إلى تصعيد موقفه تجاه اقتراح الرئيس الباجي قائد السبسي المتعلق بتشكيل حكومة وحدة وطنية. وبدا واضحا أن الغنوشي لم ينتظر طويلا للتعبير عن هذا التصعيد، حيث قال عشية بدء مشاورات مكثفة بين أحزاب الرباعي الحاكم لبلورة ملامح تركيبة هذه الحكومة، وبرنامج أهدافها خلال هذه المرحلة، إن “الوضع الطبيعي يستوجب أن تكون حركة النهضة ممثلة في حكومة الوحدة الوطنية بحسب حجمها الانتحابي”.
ولم يُحدد بالضبط كيفية ترجمة ذلك الحجم السياسي على مستوى تشكيلة الحكومة، ومع ذلك، شدد عبدالكريم الهاروني الرئيس الجديد لمجلس شورى حركة النهضة، على ضرورة “الأخذ بعين الاعتبار في تركيبة حكومة الوحدة الوطنية المقترحة، الوزن السياسي لحركة النهضة باعتبارها الحزب الأول في البرلمان”، على حد تعبيره.
وسرعان ما تطور هذا الموقف بشكل لافت، حيث كشفت مصادر مقربة من القصر الرئاسي لـ”العرب”، أن راشد الغنوشي أبلغ الرئاسة التونسية قبيل بدء المشاورات التي انطلقت الأحد، أن تعيين رئيس الحكومة الجديد يجب أن يكون حصرا من صلاحيات حركته باعتبار أن حركة نداء تونس استنفذت حقها الدستوري عندما كلفت الحبيب الصيد برئاسة وتشكيل الحكومة.
ويسعى الغنوشي من وراء هذا التصعيد الذي رفع فيه سقف مطالبه إلى أعلى مداه، لتحسين شروط التفاوض لتحقيق أكبر قدر من المكاسب، خاصة وأن الرئاسة التونسية تبدو في “ورطة” حقيقية لأنها لم تكن تتوقع أن مبادرة الرئيس الباجي قائد السبسي ستصطدم بمثل هذه المناورات السياسية التي تستهدف إفراغها من محتواها، وصولا إلى تجويفها خاصة بعد موقف رئيس الحكومة الحبيب الصيد الذي لا يبدو أنه يعتزم التسليم بإرادة الباجي قائد السبسي الذي يريد دفعه إلى الاستقالة دون أن يُقدم بديلا عنه.
ولأن حسابات البيدر التفاوضي عادة ما تكون مخالفة لحسابات الحقل السياسي في مثل هذه الحالات بالنظر إلى تزايد عدد اللاعبين السياسيين، وتضارب المصالح الحزبية، تتجه الأزمة التي أثارتها مبادرة الباجي قائد السبسي نحو المزيد من التفاقم، خاصة وأن المحيطين برئيس الحكومة الحبيب الصيد يؤكدون أنه لا يعتزم الإستقالة، وربما قد يذهب إلى البرلمان لطلب منحه الثقة من جديد لتشكيل حكومة جديدة، أو حجبها عنه ليغادر قصر الحكومة بإرادته، وليس تحت ضغط مؤسسة الرئاسة، أو بطلب من حركة نداء تونس التي يديرها حاليا حافظ قائد السبسي نجل الرئيس الباجي قائد السبسي.
غير أن مراقبين يعتقدون أن هذا السيناريو من شأنه تعميق المأزق، ذلك أن كافة القوى السياسية تُقر بضرورة التوصل إلى مخرج لهذا قبل عيد الفطر، وليس تعقيده، لأن الواقع العام بتطوراته الاقتصادية والاجتماعية المخيفة، وتداعياته المرتقبة الخطيرة، يجعل البلاد ليست قادرة على تحمل خضات سياسية واضطرابات اجتماعية جديدة.
وتؤكد القراءات السياسية أن الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأمني في تونس يتجه على ضوء هذه التطورات إلى الأسوأ، وبالتالي لا مناص من وقف هذا الضجيج، الذي أبقى المشهد العام مشوشا ومفتوحا على سيناريوهات خطيرة، تقود مباشرة إلى الفوضى الخارجة عن السيطرة، التي قد تفرضها التقلبات الداخلية المتسارعة، وغياب الحد الأدنى من التوافق بين اللاعبين السياسيين، وربما ترسم ملامحها حسابات وتناقضات مصالح القوى الإقليمية والدولي
( العرب الدولية)