دخلت البلاد التونسية في مدار الهيمنة الإستعمارية بعد إحتلال الجزائر، ولئن إعتبرتها فرنسا محمية مما يخفف عنها وطأة وآثار الإستعمار العسكري المباشر متعظة بتجربة الجزائر، إلا أنها لاقت مقاومة مسلحة كانت أغلبها شعبية عرفت الذروة في فترات وخفوتا في أخرى نتيجة أوضاع محلية وإقليمية.
سيتم التعرض بالذكر بصورة مختزلة وتأليفية لأهم محطات المقاومة المسلحة التونسية بين 1881 و1956.
* أشكال المقاومة المسلحة التونسية إبان الغزو الفرنسي 1881 – 1883:
قامت الحملة العسكرية الفرنسية بجيش قوامه 30 ألف جندي ذي خبرة وعتاد حربي حديث، مقابل ذلك لم تكن البلاد التونسية مجهزة لا من حيث الجنود ولا من حيث العتاد، إذ لم يجهز الباي محمد الصادق سوى محلتين قوامهما 1000 جندي و1800 عسكري نظامي و1000 مخازني و500 زواوة و500 من الحنفية، أما العتاد العسكري الثقيل فلم يتعد 11 مدفعا.
ولم تعط الأوامر للجيش النظامي التونسي لصد الغزو الفرنسي بل إعتبر الباي أن معاقبة القبائل المتاخمة للحدود الجزائرية (قبائل خمير) هو الهدف الرئيسي للحملة التأديبية إذ إعتبر هذه القبائل هي المتسببة في الغزو، ورغم رفض العربي زروق إمضاء معاهدة باردو ومحاولته إقناع الباي بذلك إلا أنه لم يفلح وتم إمضاء المعاهدة في 12 ماي 1881 وبدأت الجيوش الفرنسية في إكتساح البلاد تدريجيا ولاقت مقاومة إختلفت حدتها من منطقة إلى أخرى.
إجتمعت القبائل بجامع عقبة بمدينة القيروان بين 15 و20 جوان 1881، ترأس علي بن خليفة هذا الإجتماع وتم الإجماع خلاله على ميثاق شرف بمواصلة المقاومة المسلحة رغم مهادنة السلطة مع المستعمر. وبعد محاولات التصدي التي قامت بها قبائل الشمال والشمال الغربي متمثلة في قبائل خمير وعمدون والشيحية وغيرها أعقبها إنضمام قبائل الساحل والوسط أولاد سعيد، جلاص، السواسي، المثاليث ، المهاذبة وعديد القبائل الأخرى تلاه إنضمام عديد العساكر النظامية الذين رفضوا الهدنة وإنضموا بدورهم إلى المقاومة المسلحة من ذلك قائد المدفعية في صفاقس محمد الشريف، بيد أن تفوق الجيش الفرنسي عدة وعتادا وعددا كان له دور حسم المعركة لفائدته بضمه 17 سفينة حربية و151 مدفعا و600 جندي. في المقابل لم تضم المقاومة التونسية سوى 500 عنصر مجهزين بأسلحة تقليدية. كانت حصيلة المواجهات ثقيلة إذ سقط من الجانب التونسي بين 800 و1000 قتيل ولم تتكبد الجيوش الفرنسية سوى 40 قتيلا (20-25 مقابل 01).
* المقاومة المسلحة بالجنوب التونسي:
إتجهت القوات البحرية الفرنسية إلى مدينة صفاقس وإستبسل سكان المدينة في الدفاع عنها رغم قوة العدو، وبعد سقوطها أخذت الجيوش الفرنسية طريقها نحو مدينة قابس فلاقت مقاومة عنيفة إذ فشلت قواتها في عمليات الإنزال على السواحل ولم تتمكن من السيطرة نهائيا عن المدينة إلا في نوفمبر1881. وقد أبدت خلال المعارك قبائل نفات وبني زيد والجزم وعديد المتطوعين بقيادة علي بن خليفة مهارات قتالية عالية مكنتها من تكبيد الفرنسيين خسائر بشرية فادحة.
في خريف 1881 توجهت القوات الفرنسية نحو منطقة الساحل في محاولة منها لتأمين السيطرة الكلية على المناطق الساحلية للبلاد التونسية كلها وفي جميع أنحاء القرى ومدن الساحل لاقت مقاومة عنيفة من الأهالي انضم إليهم العديد من جنود الباي الفارين والرافضين لمعاهدة الحماية ومن أهم المواجهات نذكر معركة واد لاية 18 – 22 أكتوبر 1881 وشاركت فيها عديد القبائل بفرسانها. حاولت قبائل الهمامة وماجر وأولاد عيار وأولاد عون والفراشيش ورضوان وأولاد عزيز صد زحف الجيوش الفرنسية نحو مدينة القيروان ولكنهم لم يفلحوا ووقعت المدينة بأيدي الفرنسيين بدون مقاومة لخوف السكان من تدمير آثار المدينة التاريخية.
لم يبق للمقاومين بعد أن أحكمت فرنسا الطوق عليهم وتمكنت من إخضاع كامل البلاد التونسية إليها في بداية سنة 1881 سوى التوجه نحو الإيالة الطرابلسية وملازمة الحدود للقيام بمناوشات ضد المواقع الفرنسية من محميات وأبراج وكذلك عمليات نهب وتدمير لممتلكات المتعاونين مع الفرنسيين، دام هذا الوضع إلى حين وفاة علي بن خليفة سنة 1885.
على إثر إنتهاء حركات المقاومة جمعت فرنسا قواها وأعادت ترتيب صفوف الجيش بتأليفها 12 وحدة تضم جنود مشاة، مدفعية وخيالة وهي وحدات مختلطة (Unités mixtes): فرنسيين وتونسيين وحتى بعض الصبايحية من المتطوعين الجزائريين كما وقع إنشاء حرس بيليكي (Garde beylicale) يتألف من 600 جندي ينحصر دورهم في مراقبة القصور والمشاركة في الإستقبلات والاحتفالات الرسمية ولم يكن له أي دور قتالي.
من الواضح أن الغزو الفرنسي للبلاد التونسية لم يكن جولة (Promenade) حسب ما جال في عقل القيادة العسكرية الفرنسية بالنظر إلى رفض غالبية القبائل التي بادرت إلى المقاومة المسلحة وانضم إليها العديد من الجنود الفارين وذلك رغم تخاذل السلطة وضعف مقاومة المدن باستثناء صفاقس وقابس وكانت هذه المقاومة ذات نزعة دينية غذاها صد النصارى ولكن ضعف الإمكانيات من أسلحة وعتاد وصعوبة التنسيق بين المقاومين وتشتتهم الجغرافي حال دون تواصل هذه المقاومة.
* إنتفاضة 1906:
قامت هذه الإنتفاضة بجهة تالة والقصرين في 26 و27 أفريل في صفوف قبائل الفراشيش وذلك نتيجة الإستغلال الإستعماري ومصادرة الأراضي. وقد قامت السلطات الفرنسية بقمعها بشدة فكان عمر الانتفاضة قصيرا ومداها محدودا.
* أحداث الزلاج 1911:
إثر اجتياح الإيطاليين ليبيا منذ 29 سبتمبر 1911 تولد لدى التونسيون شعور بالغبن إذ عدوا هذا الغزو بمثابة حرب صليبية جديدة إحتل فيها النصارى بلاد الإسلام. أما الأسباب المباشرة لقيام أحداث الزلاج ومردها محاولة بلدية تونس تسجيل المقبرة لتكون ملكا بلديا. في الأصل كانت المقبرة هنشيرا وهو وقف (حبس) قدمه رجل الدين محمد الزلاج القيرواني لتكون مقبرة للمسلمين وزاد من قيمة هذا الوقف إيواءه لمغارة أبي الحسن الشاذلي الصوفي الذي ذاع صيته وعرفت طريقته بالشاذلية منذ القرن التاسع للهجرة.
أثار إذن مشروع تسجيل المقبرة وإعتبارها ملكا بلديا موجة من الغضب والإحتقان بين سكان مدينة تونس. تسربت العديد من الإشاعات دارت جلها حول تحويل المقبرة إلى ملك حكومي لتسهيل مرور خط ترامواي وطريق بري. وتأكدت هذه الشكوك بوجود ملصقات حائطية أمر بها شيخ المدينة الصادق غليب الذي لم يكن في أعماقه راضيا عن هذا التسجيل ودعاهم فيها إلى إبداء الرأي حول هذه المسألة.
بعد أن أغلق البوليس المقبرة وطوقها وقع القبض على بعض المتظاهرين لسبهم وشتمهم شيخ المدينة، وعد الكوميسار "أوسيبيو" بإطلاق سراحهم ألا أنه سرعان ما سادت الفوضى وأطلقت النيران تجاه المتظاهرين دامت المعركة طيلة يوم 07 نوفمبر 1911 وأذكى لهيبها تدخل الإيطاليين لمساندة القوات الفرنسية. فإستعمل المتظاهرون الحجارة والعصي والخناجر وسقط 14 تونسيا قتيلا و10 يبن فرنسيين وإيطاليين وأكثر من 100 جريح.
وقد تم إيقاف أكثر من 800 تونسي أصدرت السلطات قوانين استثنائية طالت الصحافة وحرية التعبير. وفي يوم 03 جوان 1912 أقتيد إلى المحاكمة 72 متهما، صدرت على 07 منهم حكما بالإعدام ومتهما بالأشغال الشاقة مدى الحياة والآخرين بمدد تراوحت من 03 أشهر إلى 20 سنة أشغالا شاقة وبرأت المحكمة ساحة 36 متهما.
وقد بينت هذه الأحداث رغم عدم إمتلاك المتظاهرين أسلحة نارية أن العلاقة مع المستعمر قابلة للتوتر مما سيدفع فرنسا محاولة استقطاب الأعيان وشيوخ الطرق ورجال الدين في فلكها بغاية إضعاف تعبئة الناس دينيا ويحد من استعدادهم للمقاومة ويسهل على فرنسا تجسيم مشروعها الاستعماري في تونس.
* إنتفاضة الجنوب الشرقي 1915- 1916:
كانت للحرب التي قامت بين فرنسا وأنقلترا وإيطاليا من جهة والإمبراطورية النمساوية المجرية وألمانيا والإمبراطورية العثمانية آثارا مباشرة على البلاد التونسية، حيث تم تجنيد أكثر من 70 ألف تونسي في هذه الحرب.
ولعبت الإمبراطورية العثمانية وألمانيا دورا عبر إرسالها منشورات تحض فيها التونسيين على العصيان والثورة عليها تخلق بذلك جبهة داخلية لفرنسا فغذت بذلك انتفاضة قبائل الجنوب الشرقي. عندئذ إعتقلت السلطات العسكرية الفرنسية بالجنوب أعيان قبيلة الودارنة فتتالت الأحداث بصورة فجئية ومتواترة.
قام الثوار بالتحالف مع القائد الليبي خليفة بن عسكر الثائر ضد الإيطاليين. بعد أن إستجمعوا قواهم بدأوا بمهاجمة التجمعات العسكرية الفرنسية المتمركزة بالجنوب. قام المنتفضون بعمليتين كبيرتين تمثلتا في:
- معركة الذهيبة وأم السويق وذلك بين 15 سبتمبر و09 أكتوبر 1915.
- معركة الذهيبة ورمادة: 18 – 30 جوان 1916.
وتجدر الإشارة إلى أنه بين المعركتين تواصلت المقاومة إذ حدثت 43 مناوشة بين 1916 إلى حدود شهر مارس 1918.
إتفقت السلطات الفرنسية مع خليفة بن عسكر على تأمين الحدود وعدم حماية وإيواء الثوار التونسيين وذلك للحد من حرب الاستنزاف التي قامت بها قبيلة الودارنة، الأمر الذي حد من تحركات الثوار التونسيين باستثناء البعض كالدغباجي والبشير بن سديرة اللذان آثرا مواصلة المقاومة المسلحة إلى حدود سنة 1920.
تتناقض المصادر في إحصاء قتلى الطرفين، ففي حين أكد الفرنسيون سقوط 387 قتيلا و332 جريحا في صفوفهم و250 قتيلا و74 جريحا لدى التونسيين. في حين تذكر المصادر الوطنية التونسية سقوط 1181 قتيلا و356 جريحا لدى الفرنسيين، بينما لم تخسر المقاومة التونسية سوى 127 شهيدا و115 جريحا. وقامت القوات الفرنسية في الأثناء بحملات تأديبية وقصف لقرى وقتل لمساجين: سياسة الأرض المحروقة وذلك حتى تفشل المقاومة. وهكذا تظافرت عوامل عديدة لاندحار المقاومة وتراجعها ومن أهمها:
- غياب قيادة موحدة.
- عدم تكافؤ ميزان القوى الذي كان لصالح الفرنسيين الذين استخدموا الطائرات والرشاشات في حين استعمل " الفلاقة" - وهو مصطلح ظهر في تلك الفترة – أسلحة تقليدية ولم يلقوا سندا من المناطق الأخرى من البلاد التونسية. ورغم ذلك تعدّ انتفاضة الجنوب الشرقي إحدى أبرز محطات المقاومة المسلحة التونسية.
* إنتفاضة المرازيق 1943- 1944:
إحتلت قوات المحور الجنوب التونسي تزامنا مع الإنزال العسكري للحلفاء على السواحل الشمال الإفريقية في 08 نوفمبر 1942. بدأ الجنرال باري (Barré) في 18 نوفمبر 1942 أول محاولة للجيوش الفرنسية للالتحاق بالقوات الفرنسية الحرة بزعامة دي غول. في الأثناء حاول بعض الضباط الفرنسيين الالتحاق بدورهم أو على الأقل إعانة هذه القوات وجرّ العديد من الجنود المرازيق معهم. فرفض هؤلاء الفكرة وحملوا معهم سلاحهم ولجأوا إلى دوز في ديسمبر 1942.
قامت الجيوش الفرنسية الموالية لفيشي في الأثناء والمتمركزة بأحواز مدينة دوز بمراقبة الإيطاليين وتحركاتهم محاولة في الآن نفسه معاقبة المرازيق عن تصرفهم فهاجموهم ونهب الفرنسيون سكان المنطقة. أمام حياد الإيطاليين، طالب المرازيق بأسلحة لحماية أنفسهم فتعهد فريق من 07 مقاومين من سكان العوينة أطلق عليهم إسم " العوينة الفلاقة" بحماية ضواحي المدينة ووقع أول إصطدام في 01 جانفي 1943 وتواصلت المناوشات إلى حدّ دخول الجيش الثامن البريطاني المدينة فقامت حينئذ الفرق الصحراوية الفرنسية بالإنتقام من المرازيق عبر القبض على الرجال وزجهم في السجون وإستباحة النساء والأرزاق مما دفع بالعديد إلى محاولة الدفاع عن الأعراض والأرزاق ووقعت 04 معارك رئيسية وهي:
- معركة دوز: 29 ماي 1944 وقادها علي الصيد ضد ثكنة توزر.
- معركة غابة تامزرط: 28 جوان 1944 وشاركت فيها العديد من النساء وانتصر المقاومون خلالها وكبدوا قتلى في صفوف الفرنسيين كما غنموا أسلحة ومؤنا وذخائر.
- معركة كاف بن عسكر ووقعت داخل الحدود الليبية عندما لاحقت الجيوش الفرنسية الثوار.
إثر ذلك هدأت الأوضاع نسبيا وبقيت بعض المناوشات التي لم ترتق إلى مستوى مقاومة مسلحة منظمة مثلها في ذلك مثل حركة فلاقة زارمدين بالساحل بين 1944 و1948.
بين 1948 و1952 فتح المجال للمفاوضات السياسية والنقابية إلا أن تعثرها وانسداد الأفق أمام التونسيين أدى إلى قيام أكبر حركات المقاومة قبيل الاستقلال.
* المقاومة المسلحة: 1952 - 1954
بعد أن نادى الحزب الدستوري والاتحاد العام التونسي للشغل بالتظاهر والاحتجاج قامت في كل من بنزرت وماطر وفيري فيل Ferryville (منزل بورقيبة اليوم) موجة من المظاهرات والمشادات أيام 16 – 17 – 18 جانفي 1950، إثرها شملت الاعتقالات غالبية قيادة الحزب الدستوري الشيوعيين والاتحاد.
فلا يمكن فهم التوتر السياسي الذي بدأ منذ جانفي 1952 وساهم في اندلاع المقاومة المسلحة (1952 – 1954) إلا من خلال الرفض الفرنسي للمطالب التونسية التي قدمها الوزير الأكبر محمد شنيق في شكل مذكرة حول سبل تحقيق الاستقلال الداخلي إلى وزير الخارجية الفرنسية روبار شومان بتاريخ 31 أكتوبر 1951. وأكد الرفض الفرنسي الذي أتى ردا على هذه المطالب في 15 ديسمبر 1951 لمبدأ ازدواجية السيادة مما يعني عمليا انسداد الأفق السياسي بين الوطنيين والمستعمر في ظل ظرفية تميزت باحتدام التأزم الاقتصادي والاجتماعي بالبلاد. تنوعت إذا أشكال المقاومة في هذه الفترة وعرفت عموما بحركة " الفلاقة".
* نمو وتطور المقاومة المسلحة 1952 – 1954
بدأت أول نواة المقاومة تظهر من خلال العروش القبلية وفي الفضاءات الريفية عموما. بيد أنه بعد الانتصارات التي حققتها المقاومة وقع احتواءها ضمن دائرة الحزب الحر الدستوري الجديد الذي سيحاول تأطير هذه الحركة محاولا توجيهها وجعلها وسيلة ضغط على الحكم الفرنسي وقد ولد النسيج الاجتماعي والاقتصادي القبلي تلاحما بين المناطق المختلفة للبلاد بفضل تطور طرق الاتصال والمواصلات مما سهل إلى حد كبير حركة المقاومة ومثل في آن واحد ملاذا للمقاومين الفارين من المدن.
كما عّدت الروح "الجهادية" والأسلحة المستعملة الموروثة عن المحور من خلفيات الحرب العالمية الثانية دفعا للحركة وتناميها على المستوى الشعبي بالرغم من محدودية سلاح المقاومة فعلى سبيل المثال يتوفر لأربعة مقاومين سلاح واحد بمنطقة تالة- القصرين وسلاح لمقاوم على اثنين في منطقة بنزرت. وتم تجاوز نقص السلاح بفضل الأساليب المعتمدة من قبل المقاومين وتعبئتهم المعنوية الكبيرة وهكذا لم تجد فرنسا نفسها في مواجهة جيش نظامي يعتمد الأساليب الحربية التقليدية بل أمام مجموعات تعتمد تكتيك حرب العصابات والمدن وقطع طرق الاتصال والنقل والإضرار بالمؤسسات والممتلكات الحكومية وكذلك الملكيات الزراعية للمعمرين والمتعاملين مع الاستعمار الأمر الذي لم تستعد له فرنسا مسبقا. ويتوزع قادة المقاومة جغرافيا إلى 05 مناطق هي خاصة:
- منطقة تونس وبنزرت وتزعم المقاومة فيها خاصة محجوب بن علي وهلال الفرشيشي.
- منطقة الكاف: ساسي لسود
- منطقة سبيطلة – الروحية : الطاهر لسود.
- منطقة الجنوب: مصباح الجربوع
- منطقة الوسط: حسن بن عبد العزيز.
بدأت نواة المقاومة المسلحة في التشكيل بين 20 جانفي و15 مارس 1952 بمنطقة الأعراض ( حامة قابس) وتحولت تدريجيا لتشمل منطقة شمال وغرب البلاد التونسية نتيجة للقمع العسكري الذي لاقاه المقاومون. كما أن تطور شعبية المقاومة كان نتيجة للزخم ودعم الأهالي لها ماديا عبر التبرع بالمال والممتلكات ولوجستيا: إخفاء المقاومين، تهريب الأسلحة وإخفاءها وتسهيل فرار المطاردين وكذلك مدهم بالغذاء والمؤن والعتاد والمعلومات.
انتظم المقاومون في مجموعات صغيرة تمركزت أغلبها بالمناطق الجبلية الوعرة وتم إحصاء 3000 مقاوم سنة 1953 ويمكن حصر أهم عمليات المقاومة بالرغم أنها بلغت 134 عملية في المجموع بين 1953 و1954:
- معركة جبل مطير ( بين بني خداش وغمراسن):
استعمل فيه الجيش الفرنسي العتاد الثقيل كالطائرات والدبابات فقتل 05 ثوار مقابل العشرات بين جنود فرنسيين ومتعاونين معهم وسقط خلال المعركة مصباح الجربوع جريحا.
- معركة الغندري بمنطقة كتانة ( ولاية قابس): 07 أكتوبر 1953 قتل فيها 04 من الثوار.
- معركة جبل عرباطة( قفصة): 09 جوان 1954 وكان الجبل مقرا للمقاومة بجهة الجنوب الغربي قتل خلالها 07 مقاومين.
ومثلت سنة 1954 سنة الحسم إذ بلغت المقاومة المسلحة ذروتها فتعددت المواجهات المسلحة وبلغ الشهداء في صفوف المقاومين كالآتي:
- معركة جبل إشكل: 22 ماي 1954 شهيدا واحدا.
- معركة أولاد بوعمران: 05 جوان 1954: 07 شهداء.
- معركة أبه قصور: 14 جوان 1954: 09 شهداء.
- جبل هداج: 01 سبتمبر 1954: 12 شهيدا.
- معركة جبل برقو: 13 سبتمبر 1954 التي انضم خلالها أفرادا من الحرس الملكي للمقاومة وسقط خلالها 15 شهيدا وأسر 20 مقاوما.
- معركة جبل سيدي عيش: 18 سبتمبر 1954: 11 شهيدا.
- جبل المالوسي: 24 سبتمبر 1954 08 شهداء.
- جبل الخشم 01 أكتوبر 1954: 19 شهيدا.
- جبل قضوم: 08 أكتوبر 1954 : 22 شهيدا.
- جبل طباقة ( الحامة): 18 أكتوبر 1954: 10 شهداء.
- جبل سيدي علي أم الزين ( الروحية): 14 أكتوبر 1954: 24 شهيدا.
- جبل المرفق ( قفصة) : 18 نوفمبر 1954: 20 شهيدا.
- جبل وسلات: 18 نوفمبر 1954: 12 شهيدا.
- جبل سيدي عيش: 21 نوفمبر 1954: 33 شهيدا.
مما تقدم بدا جليا تكاثر عدد الشهداء بين المقاومين تدريجيا وبلغ ذروته خلال أواخر سنة 1954 نتيجة للاستخدام الكثيف للجيش والعتاد الحديث ونظرا كذلك لتراجع المقاومة نتيجة لضعف الإمكانيات وعمليات الحصار المفروضة على المقاومين: قطع الطرق والمؤن. وفي الأثناء، تعددت أشكال المقاومة تزامنا مع المواجهات المباشرة بين المقاومين والمستعمر. من ذلك اغتيال أفراد البوليس والجندرمة داخل المدن وكذلك المتعاونين التونسيين مع المستعمر. يعد هذا النوع من المقاومة رد فعل على اغتيال فرحات حشاد في 05 ديسمبر 1952. واستهدفت عمليات أخرى أساسا الأنشطة الاقتصادية للمستعمر والمعمرين كإحراق للمحاصيل وتفجير للمخازن وتخريب للسكك الحديدية وخطوط الهاتف والكهرباء.
في المجموع قتل المقاومون 50 فردا من الجندرمة و09 من البوليس من ذلك اغتيال العقيد دوران (Dorand) في سوسة .
أمام تصلب المقاومة واشتداد وتنوع الجبهات على فرنسا: اندلاع الثورة الجزائرية وقيام الهند – الصينية أعلن بيار منداس فرانس في 31 جويلية الاستقلال الداخلي للبلاد التونسية.
خاتمة:
بعد هذا الإعلان تم فتح مفاوضات ثنائية لتحديد واجبات الجانب التونسي والفرنسي فتشكلت في 07 أوت 1954 وزارة برئاسة الطاهر بن عمار ووجهت الحكومة التونسية نداءا يوم 24 نوفمبر 1954 دعت فيه المقاومين للإلقاء السلاح لتنتهي بذلك أعنف مقاومة وأطولها أمدا قامت بها الفئات الشعبية إلى أن تم الإعلان عن الاستقلال التام يوم 20 مارس 1956. ولم تكن للسيادة التونسية أن تستكمل إلا في شهر أكتوبر 1963 بجلاء القوات الفرنسية عن مدينة بنزرت وذلك بعد أن سقط المئات من التونسيين شهداء خلال المعركة. واكتملت السيادة الوطنية إثر تأميم أراضي المعمرين بقرار 12 ماي 1964.
( المصدر : موقع وزارة الدفاع الوطني )