نشر موقع "نيويورك تايمز" مقالا بعنوان " الربيع العربي القادم ؟ حقوق المرأة " لكاتبه الجزائري كمال دواد، أثار فيه الخطوات التي قام بها رئيس الجمهورية في قراءة نقدية من إعلانه تأييده لمساواة حقّ الميراث بين الرجل والمرأة وحق المرأة المسلمة في الزواج من أجانب غير مسلمين .
وفي إفتتاحية المقال، كتب كمال داود : من لا يزال يصنع الثورة في العالم العربي؟ ليس الإسلاميين الذين حبسوا أنفسهم في العنف أو التطرف و لا النخب اليسرى والشيخوخة ونزع سلاحها وفقدان مصداقيتها بعد هزيمة القومية. لم يكن المدوّنون الشباب الذين كانوا في طليعة الإحتجاجات خلال الربيع العربي: هم الآن مقيّدون، حتى مشلولون، من خلال الضغط أو الرقابة (في جميع أنحاء المنطقة)، مراقبة الشرطة (في الجزائر والمغرب والجزيرة العربية السعودية) أو السجن (في مصر) أو الموت (في سوريا).
وأضاف في هذه الملاحظة الشديدة، يبدو أنه لا أحد يهرب، إلا رجل عجوز مغاربي، محام و ناشط سابق لإنهاء الإستعمار، الباجي قائد السبسي، الرئيس التونسي. الثورية العربية الجيدة في هذه اللحظة ليست سوى رئيس دولة يبلغ من العمر 90 عاما.
وإعتبر من جهة أخرى أن الباجي قائد السبسي نجح في توطيد توافق صعب بين الديمقراطيين والإسلاميين و رغم معاناة تونس الإقتصادية و الجدل الساخن حول العفو عن المسؤولين السابقين المتهمين بالفساد غير أنه أصبح أيضا الشخص البارز في الحركة الإصلاحية في العالم العربي بإعلانه تأييده لمساواة حق الميراث بين الرجل والمرأة وحق المرأة المسلمة في الزواج من أجانب غير مسلمين .
وتابع موضحا أنه وفقا لوصف الفقه الإسلامي، مع إستثناءات نادرة، لا يحق للمرأة إلا نصف الميراث الذي سيحصل على رجل في مكانه. في تونس، كما في أي مكان آخر في العالم العربي، مؤكدا أنه لا تجرؤ القوانين على معالجة هذه المحرمات.
و قال : حتى لو أعلنت الدساتير في تونس أو الجزائر أو في أي مكان آخر حرية الضمير والمعتقد، ففي الجزائر، على سبيل المثال، يخضع إختيار المرأة للزواج من غير المسلمين لقيود رادعة شديدة. ويطلب من الزوج الأجنبي أن يعتنق الإسلام، مع دعم الشهود والشهادة وفي الإتجاه المعاكس عندما يريد مسلم تونسي الزواج من غير مسلمة - لا يطلب أي شيء من المرأة فهما الحكمان اللذان كانا موجودين بشكل أو بآخر لعدة قرون يشكلان جزءا من الأساس الإيديولوجي للمجتمع الإسلامي الذي لا يزال ريفيا على العموم.
كما أشار إلى أنه لم يجرؤ أيّ زعيم سياسي على تغيير الأمر وخطر فقدان الدعم الشعبي. (إن مشروع الإصلاح الحبيب بورقيبة، مؤسس تونس الحديثة ورئيسه الأول، قد تعثر ضد المقاومة الشرسة للمحافظين والدينية)، في حين في شهر أوت ، ألقى السيد السبسي كلمة أمام الحكومة التونسية أثارت عاصفة. وفي الوقت الذي أعلن فيه أنه لا يريد أن يصدم الشعب التونسي الأغلبية التونسية، أشار إلى أنه وفقا للدستور كانت الدولة "مدنية"، وأضافت، فيما يتعلق بحقوق الرجال والنساء: " دعونا نقول إننا نتحرك نحو المساواة بينهما في جميع الميادين. والسؤال كله يكمن في الميراث ".
ثم في منتصف سبتمبر أعلن عن صاعقة أخرى: بإعلان إلغاء تعميم إداري صدر في عام 1973 يحظر على المرأة التونسية الزواج من غير مسلم، مشيرا إلى ما قالته منية بن جيميا، رئيسة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، على معنى هذه البادرة بالنسبة للعالم العربي بأسره: "تصبح تونس نوعا من النموذج الداخلي للتقدم. وهذا يتحدى جيراننا المغاربين؛ إنها إيجابية جدا ".
كما تطرق إلى ردود أفعال الإسلاميين من مواقف رئيس الجمهورية التونسية متحدثا عن ردّ الواعظ المصري المقيم في تركيا "إجرامي وكافر ومرتد وعلماني" و عن ردّ في القاهرة بإعلان نائب الإمام الأكبر للأزهر أن المساواة في الميراث "تؤثر على المرأة، ليست صالحة لها، يتنافى مع الشريعة الإسلامية ".
بينما إعتبر كاتب المقال أن الحزب الإسلامي التونسي الرئيسي، النهضة، إتخذ موقفا رسميا للإحتياط والصمت - واعيا ربما أن المقاومة المفتوحة ستعطي دورا سيئا في الوقت الذي تستعد فيه البلاد للإنتخابات البلدية في غضون أشهر قليلة . ويمكن أن يطلق عليه الموقف السياسي، ولكنه لا يقل عن ذلك على الإطلاق: بل على العكس، لأنه يجعل السياسة تسود على الإيديولوجية.
وإعتبر من جهة أخرى أن لبيانات السبسي أيضا ميزة إبراز ما لا يزال يتعين القيام به في العالم الإسلامي لإستكمال الربيع العربي. ولا يكفي أن أسقط الديكتاتورية؛ يبقى لإطاحة النظام الأبوي هاما وبالإضافة إلى إستعراض الدساتير أو الحد من ولايات بعض القادة، يجب ضمان الحقوق الأساسية عمليا، ولا سيما المساواة بين الجنسين.
وعلّق قائلا إن الثوري التونسي القديم كشف عن إحدى الآليات التي لا تزال تعيق العالم العربي: التواطؤ بين القوانين المدنية والقوانين الدينية. هذا الأخير مزدوج وتعديل السابق، وتحويل العقل، سرّا أو علنا. لكن مواقف السيد السبسي تشير أيضا إلى وسيلة للمقاومة وإصلاح عميق.
و تساءل هل هذا فجر ربيع عربي جديد ؟ يمكنك تصديقه. وقد ألغت المغرب والأردن ولبنان أخيرا القوانين التي سمحت للمغتصب للمرأة بالهرب من الملاحقة القضائية إذا تزوجها. وفي الأسبوع الماضي، أذن ملك المملكة العربية السعودية للمرأة بالسياقة.
ولكن النساء السعوديات، على سبيل المثال، مازالن غير قادرين على السفر أو اللباس بحرية. ولذلك كان السبسي الذي فتح خرقا هائلا في قاعدة المحافظات الإسلامية وخلق سابقة فريدة من نوعها، وإلتحقق من مختلف الحركات النسوية والفكرية.
و ختم قائلا : توجّه الباجي قائد السبسي لم يتم تقديره حتى الآن ولا تقييم قيمته الحقيقية : إنها ثورية - حتى كوبرنيكية. وإدعى الرئيس التونسي المساواة بين النساء في العالم العربي، وهو عالم إجتماعي حيث لا تزال الأرض تبدو مسطحة.