ملتحون مترجلون أو ممتطون لسيارات أو دراجات نارية يتنقلون مسلحين بسيوف وهراوات، رافعين راية "العقاب".
هؤلاء المارقون عن القانون نصبوا أنفسهم كحماة للأخلاق والدين وأصبحوا أوصياء على أفراد الشعب بدعوى حماية أعراضهم وممتلكاتهم ولو بالقوة.
"دوريات الشرطة السلفية" المنظمة تحت لواء تنظيم أنصار الشريعة المحظور ظهرت خلال السنوات الفارطة بعدد من جهات البلاد وتحديدا بسيدي بوزيد وصفاقس والعاصمة بعد أن روجوا لأنشطتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي من خلال تنزيل مقاطع مصورة لإستعراض القوة والإعلان عن سيطرتهم لبعض المناطق وإستعطاف البعض بدعوى حماية الضعفاء.
هذه "الدوريات" ولئن لاقت رفضا من قبل عدد من النقابيين الأمنيين والسياسيين والناشطين والإعلاميين آنذاك، إلا أنها إستمرت في النشاط وبقوة خاصة منذ تاريخ 23 أكتوبر 2012، موعد إنتهاء الشرعية الإنتخابية لحكومة الترويكا والمجلس التأسيسي، حيث أصدر تنظيم أنصار الشريعة المحظور بيانا دعا فيه السلفيين إلى "تشكيل لجان لحماية أعراض وممتلكات ودماء شعبنا، في صورة حدوث أي إنخرام لأمن البلاد .. وأن يستعدوا لحفظ أمن شعبنا، وتوفير قوته في حال حدوث فوضى"، وفق نص البيان.
ومنذ ذلك التاريخ تتالت تدخلات هذه "الدوريات"، حيث إعتدت مجموعة سلفية بتاريخ 2 أفريل 2012 على كنيسة أرتودكسية في جربة، وتمّ تهديد اليهود الذين يحجّون إلى الغريبة في جزيرة جربة، تليه عملية الهجوم على فندق بسيدي بوزيد لمنعه من بيع المشروبات الكحولية وأصبحوا يستعرضون قوتهم في الساحات والأماكن العامة.
وبعد تصنيف تنظيم أنصار الشريعة بالمحظور، أصبحت هذه المجموعات تنشط بصفة شبه سرية خاصة بعد تسجيل حملة إيقافات لعدد من العناصر المتشددة التي كانت معروفة لدى الجهات الأمنية. حملة الإيقافات لم تثن هؤلاء الشرذمة من النشاط، إذ سجلت عديد الحوادث بإسم "الشرطة السلفية" على غرار حادثة قرمبالية، حيث تعمد 4 عناصر متشددة مهاجمة أصحاب المحلات المفتوحة في فترة النهار في رمضان بجهة قرمبالية خلال 2017 . وقد سجلت حادثة مشابهة بتاريخ 27 ماي 2019 بأحد المقاهي برادس خلال شهر رمضان، حيث قامت مجموعة متشددة بإغلاق المقهى والإعتداء بالعنف على رواده.
وبالرغم من تراجع عدد هذه الحوادث وأنشطة ما عُرف بـ"الشرطة السلفية" خلال السنتين الأخيرتين، إلا أن هذه المجموعات المتطرفة يبدو أنها عادت للتنظيم لتنشط من جديد وليطرح السؤال "هل عادت الشرطة السلفية للنشاط من جديد؟"، سؤال تداوله البعض من الناشطين ورواد شبكات التواصل الاجتماعي بعد تسجيل حوادث مشابهة لما كان يفعله أولئك المتطرفون الذين نصبوا أنفسهم كجهاز أمني موازي لأجهزة الدولة.
"دوريات الشرطة السلفية"
ووفق معطيات خاصة بـ"آخر خبر أونلاين"، قامت مجموعة من المتشددين خلال ماي المنقضي بمهاجمة أحد المنازل بجهة حي التضامن بالعاصمة ورشقها بالحجارة، مرددين "الله أكبر"، وذلك بسبب رفض العائلة تسليم إبنهم لهذه العصابة التي كان عناصرها يمتطون دراجات نارية ومسلحين بسيوف وهراوات.
وقد طالب المتشددون العائلة تسليم إبنهم بهدف معاقبته بسبب إعتداء الأخير على أحد العناصر المتشددة.
حادثة مشابهة شهدتها منطقة كرش الغابة بحدائق المنزه خلال الأسبوع الماضي، حيث تعمدت مجموعة من المتشددين الإعتداء على منزل كان صاحبه يستغله لبيع الخمر خلسة. وقد تنقلت العناصر المتشددة على متن دراجات نارية مسلحة بسيوف وهراوات، مرددة "الله اكبر يا أعداء الله".
وقد أسفرت المواجهات على إصابة 4 أشخاص من المجموعتين تم نقلهم إلى المستشفى.
وفي هذا السياق، تمكنت وحدات الحرس الوطني من إلقاء القبض على عنصر متشدد بحي التضامن إعتدى بسلاح أبيض على أحد متساكني الحي الذي كان بحالة سكر.
حتى المساجد لم تسلم
مصادر مطلعة أكدت لنا أن مجموعة من العناصر المتشددة بحي التضامن تعمدت الصلاة بأحد المساجد هناك بمفردها ودون الإختلاط ببقية المصلين.
مهدي بوكثير، رئيس جمعية "الوعاظ" أكد لنا أن جامع "الغفران" بحي الإنطلاقة الذي كان تحت سيطرة العناصر المتشددة، مازال يشهد نوعا من التدخل من قبل هؤلاء خاصة في علاقة بعمل الأئمة بدعوى توضيح بعض المذاهب، مشددا على أن هذه الظاهرة تصاعدت نوعا ما خلال الفترة الأخيرة التي سبقت جائحة كورونا.
وأكد بوكثير أن وزارة الشؤون الدينية سجلت عديد الإعتداءات على الأئمة وآخرها كان السنة الفارطة.