اقتصاد

 الأداء القوي للاقتصادات الكبرى يدعم تحسن التوقعات الاقتصادية العالمية

الأداء القوي للاقتصادات الكبرى يدعم تحسن التوقعات الاقتصادية العالمية

30 جوان 2024 10:00
في بداية العام، أدت الرياح المعاكسة القوية إلى موجة من التشاؤم في توقعات النمو العالمي لعام 2024. ويعد إجماع استطلاع بلومبرغ أداة مفيدة تكشف عن وجهات النظر المتغيرة حول التطورات الرئيسية بشأن الاقتصاد الكلي. يرصد هذا الاستطلاع القياسي توقعات المحللين ومراكز الفكر ومؤسسات الأبحاث. وقد أظهر الاستطلاع أن النسبة المتوقعة لنمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي لهذا العام تبلغ 2.6%. ولوضع هذا الرقم في منظوره الصحيح، ينبغي معرفة أنه أقل بنقطة مئوية واحدة من متوسط النمو المسجل خلال الفترة 2000-2023 والذي بلغ 3.6%. علاوة على ذلك، فإنه يعتبر أعلى بقليل من نسبة 2.5% التي تشير معدلات النمو السنوي الأدنى منها إلى ركود عالمي. خلال الفترة من 2000 إلى 2023، لم يحدث ركود عالمي إلا خلال الفترات الاستثنائية للأزمة المالية العالمية في عام 2009، وأثناء جائحة كوفيد في عام 2020. ومنذ عام 1980، شهد الاقتصاد العالمي أربع فترات ركود وفقاً لهذا المعيار.
 
ولكن التطورات الإيجابية أدت إلى مراجعة التوقعات في الاقتصادات العالمية الرئيسية الثلاثة: الولايات المتحدة، والصين، ومنطقة اليورو، والتي تمثل مجتمعة ما يقرب من 60% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. في هذه المقالة، سنتناول الأسباب الرئيسية وراء تحسن التوقعات في الاقتصادات الرئيسية الثلاثة ومساهماتها في توقعات النمو العالمي.
أولاً، كان أداء الاقتصاد الأميركي سبباً في تعزيز المسار التصاعدي الملحوظ في توقعات النمو. وكانت التوقعات الأولية تعكس تشاؤماً واسع النطاق وسط معدلات التضخم المرتفعة مما أدى إلى تآكل القوة الشرائية للأسر، واضطراب أسواق السلع الأساسية، والتشديد القياسي للسياسة النقدية من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي. في ظل هذه الخلفية، كان الإجماع يشير في يناير من العام الجاري إلى أن الاقتصاد الأمريكي سيحقق نمواً متواضعاً تبلغ نسبته 1.3% في عام 2024. 
 
ولكن البيانات الصادرة أشارت إلى أن الاقتصاد الأمريكي يستند على أسس متينة. وأظهرت أرقام الناتج المحلي الإجمالي للربع الأول من عام 2024 أن استهلاك الخدمات، الذي يمثل حصة كبيرة من الاقتصاد، نما بمعدل سنوي متميز قدره 4%، وهو أعلى بكثير من النمو المسجل في عام 2023 والذي بلغت نسبته 2.3%. بشكل عام، ظل قطاع الاستهلاك مدعوماً بجودة الميزانيات العمومية للأسر وقوة أسواق العمل. علاوة على ذلك، تظهر المؤشرات الرئيسية أن التباطؤ المتوقع للاقتصاد الأمريكي سيكون سلساً.
 
في الواقع، يشير الإجماع الحالي إلى نمو بنسبة 2.4% لهذا العام، أي أقل بقليل من النمو الذي بلغت نسبته 2.5% في عام 2023. وقد ساهم التحسن في توقعات الاقتصاد الأمريكي، الذي يعتبر أكبر اقتصاد في العالم، بشكل كبير في تحسين التوقعات العالمية.
ثانياً، تحسنت التوقعات الاقتصادية للصين على خلفية التعافي القوي وإجراءات التحفيز الحكومية الجديدة. في بداية العام، كان التشاؤم المحيط بأداء الصين أحد الأسباب الرئيسية وراء توقعات النمو العالمي الفاترة نسبياً لعام 2024. وأشار استطلاع بلومبرغ إلى معدل نمو قدره 4.5%، وهو أقل بكثير من متوسط ما قبل الجائحة البالغ 6.7% بين عامي 2015 و2019. لكن بعد ذلك، ظلت البيانات الصادرة تشير إلى مفاجآت في الاتجاه الصعودي. وعلى وجه التحديد، تحقق خلال الربع الأول من عام 2024 معدل نمو سنوي قدره 5.3%، على نحو يتجاوز التوقعات بهامش ملحوظ قدره 0.5 نقطة مئوية.
 
مؤخراً، نفذت الحكومة الصينية مجموعة من التدابير السياسية لتوفير الدعم للقطاع الخاص ومواصلة تشجيع الاستثمارات الأجنبية المباشرة. وشملت هذه المبادرات جولات لتخفيض أسعار الفائدة وضخ السيولة في الاستثمارات العامة. علاوة على ذلك، عالجت الحكومة المخاوف المحيطة بالقطاع العقاري، حيث قدمت مساعدات مالية للمطورين والشركات المدعومة من الحكومة، وحوافز للمطورين العقاريين الإقليميين لشراء المنازل غير المباعة وتخصيصها للسكان ذوي الدخل المنخفض. ونظراً للتحسن في الزخم وتدابير التحفيز من خلال السياسات الاقتصادية، نعتقد أن هناك مجالاً لمزيد من المراجعات الإيجابية في نمو الناتج المحلي الإجمالي الصيني.
ثالثاً، بعد فترة طويلة من الركود، تشهد منطقة اليورو تعافياً معتدلاً يدعم المراجعات الإيجابية لتوقعات النمو لعام 2024. منذ أوائل عام 2022، ظلت منطقة اليورو في دوامة سلبية، وواجهت رياحاً معاكسة كبيرة جراء ارتفاع أسعار الطاقة، وحالة عدم اليقين الجيوسياسي وضعف الطلب الخارجي. وتراجع النمو في الربعين الثاني والثالث من عام 2023 إلى نسبة -0.1%، مما يعني أن التكتل الأوروبي سجل ركوداً فنياً، قبل أن يتوقف هذا الانحدار خلال الربع الرابع. وفي بداية هذا العام، بلغ إجماع التوقعات بشأن النمو في منطقة اليورو لعام 2024 نسبة متواضعة لم تتجاوز 0.55%.
 
بدأ التعافي يكتسب زخماً في الربع الأول من عام 2024، مع توسع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.3% مقارنة بالربع السابق، مما يوفر مبرراً لمراجعة التوقعات. وحتى لو كانت الرياح المعاكسة التي تلوح في الأفق لا تسمح بالإفراط في التفاؤل، فإن العديد من العوامل توفر الثقة لرفع مستوى توقعات النمو. إن الجمع بين انخفاض التضخم وارتفاع نمو الأجور يعني ضمناً مكاسب في القوة الشرائية للأسر، وهو ما من المرجح أن يترجم إلى زيادة الإنفاق بشكل قوي.
 
بالإضافة إلى ذلك، ومع نهاية فترة "الركود في قطاع التصنيع العالمي"، من المتوقع أن يصبح نشاط التصنيع أكثر دعماً لنمو منطقة اليورو خلال الأرباع القادمة. وأخيراً، فإن بداية دورة تخفيض أسعار الفائدة من قبل البنك المركزي الأوروبي ستوفر المزيد من الدعم للاقتصاد. وعلى خلفية هذه التطورات الإيجابية، تحسن إجماع التوقعات بشأن النمو في منطقة اليورو، حتى ولو بشكل طفيف، إلى 0.70% لعام 2024. 
 
بشكل عام، تحسنت آفاق الاقتصاد العالمي لهذا العام على خلفية التطورات الإيجابية في جميع الاقتصادات الرئيسية الثلاثة (الولايات المتحدة ومنطقة اليورو والصين). وعلى الرغم من أن وتيرة التوسع المتوقعة بنسبة 2.9% أقل من المتوسط على المدى الطويل، إلا أنها تقف على بعد مسافة آمنة من نطاق الركود.
 

فريق QNB الاقتصادي

بيرنابي لوبيز مارتن*
مدير أول – قسم الاقتصاد
لويز بينتو
نائب رئيس مساعد – قسم الاقتصاد
 
30 جوان 2024 10:00

المزيد

شركة تيترا باك تستقبل سفيرة دولة السويد في تونس

استقبلت شركة تيترا باك، مؤخرا، السيدة سيسيليا ورامستن، سفيرة دولة السويد، في مكاتبها بتونس.   وقد تألف الوفد السويدي من السفيرة السيدة سيسيليا ورامستن ونائبة ...

06 نوفمبر 2024 13:00

تونس تشارك في معرض الصين الدولي للاستيراد والتصدير

 واكبت سفارة تونس بالصين بمعيّة مكتب الديوان الوطني التونسى للسياحة ببيكين المشاركة التونسية في الدورة السابعة من معرض الصين الدولي للاستيراد والتصدير 7th China ...

06 نوفمبر 2024 12:01

صفاقس/ دخول أوّل شركة أهلية " العين" طور النّشاط الفعلي

أشرفت السيدة حسنة جيب الله  كاتبة الدولة لدى السيّد وزير التشغيل والتكوين المهني المكلفة بالشركات الاهلية يوم الاثنين 04 نوفمبر 2024 على متابعة دخول الشركة الأهلية ...

05 نوفمبر 2024 10:30

وزارة التجارة: تسعير الدواجن

ذكرت وزارة التجارة وتنمية الصادرات، في بلاغ لها،  العموم وكافة المتدخلين في قطاع الدواجن، أن تحديد الأسعار القصوى لبيع الدجاج الحي بسعر 5300 مليم الكلغ يهم حلقة ...

04 نوفمبر 2024 10:10

تزايد الحجج المؤيدة لإجراء تخفيضات أكبر لأسعار الفائدة من قِبل البنك المركزي الأوروبي

في منتصف عام 2022، أجبر الارتفاع غير المسبوق في معدلات التضخم البنك المركزي الأوروبي على الشروع في دورة التشديد النقدي الأكثر صرامة حتى الآن. ففي أقل من عام ونصف ...

03 نوفمبر 2024 10:00