تصريح الناطقة باسم البيت الأبيض الأمريكي سارة ساندرز يوم 30 /4/ 2019 حول إمكانية تصنيف الإخوان المسلمين تيارا إرهابيا يحمل 3 دلالات وله بعض التداعيات محليا وعربيا ودوليا:
1) أبرز الدلالات
- الدلالة الأولى، هو أن هذا القرار- لو صدر- فإنه ينسجم مع إدارة الرئيس ترامب التي تعتبر منذ البداية أن التيارات الدينية المتطرفة تجد جذورها في تيار الإسلام السياسي أي الإخوان المسلمين، وقد صرح يوسف القرضاوي سابقا أن زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن إخواني سابق، والظواهري كذلك، وأن أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم داعش إخواني سابق أيضا، وبالتالي فالبيت الأبيض استنتج بسهولة العلاقة السببية بين الإخوان وتيارات التطرف العنيف.
- الدلالة الثانية، أن البيت الأبيض له اطلاع دقيق على هيمنة تيار الإخوان المسلمين على شبكة الجمعيات في أوروبا، وكتاب " أوراق قطر" للمؤلفيْن الفرنسييْن كريستيان شينو وجورج مالبرونو الذي صدر في أوائل أفريل 2019 يُبرز الإمبراطورية المالية لهذا التنظيم، وبما أن السياسة الأمريكية الحالية تتجه نحو التشديد في مقاومة الإرهاب فإن تجفيف منابع تمويله تصبح ضرورية، ويوجد جزء هام من هذه المنابع في أوروبا.
- الدلالة الثالثة، هي أن قرار تصنيف الإخوان تيارا إرهابيا –إذا تمّ اتخاذه- فيعني ذلك بداية طي صفحة هذا التنظيم الذي اتضح أن تجربة حكمه فاشلة بعد انتفاضات الربيع العربي بالإضافة إلى تورطه في تسفير المقاتلين إلى بؤر التوتر بعد 2011. كما أن محور تركيا وقطر المساند لتيار الإخوان سيضطر آجلا أو عاجلا إلى سحب مساندته.
2) تداعيات محلية وعربية ودولية
بخصوص التداعيات المحلية، فمن المرجح أن تضطر حركة النهضة إلى نفي أي علاقة لها بتنظيم الإخوان لكن إقناعها للرأي العام الوطني والعربي والدولي بهذا الموقف سيكون صعبا ومحدودا. كما يُتوقع من حركة النهضة أن تتجه إلى عدم التموقع بشكل كبير في الحكم حتى لو كانت ضمن الأوائل في انتخابات 2019، وربما تمر حركة النهضة بأيام صعبة إذا فُتحت ملفات شبكات التنظيم الدولي للإخوان.
أما بخصوص التداعيات العربية والدولية فستُصبح الدول العربية والإسلامية أكثر احترازا وسلبية في تعاملها مستقبلا مع تيار الإسلام السياسي المتمثل في تنظيم الإخوان المسلمين وروافده في العالم العربي حتى لا تتعرض إلى عقوبات أمريكية ودولية. وما يحصل في ليبيا والسودان حاليا يؤكد هذا التوجه. وهنا نشير أن بعض قيادات حراك السودان الأخير بدأوا في التملص من أي تحالف مع الإخوان ونستشف ذلك من تصريح الصادق المهدي رئيس الوزراء السوداني الأسبق يوم 30 أفريل 2019 عندما طلب من الإخوان المسلمين الاعتراف بأخطائهم الكثيرة وهو ما لم يقوموا به لحد الآن لا في السودان ولا في تونس ومصر وليبيا.
أما على المستوى الدولي فإن أوروبا ستكون أكثر تشددا في التعامل مع الفكر الإخواني والجمعيات الإخوانية المنتشرة على أراضيها وربما تعْمدُ إلى حل بعضها ومراقبة لصيقة للبعض الآخر. ولعل تصريح مسؤول بالمخابرات الألمانية من أن تيار الإخوان المسلمين أخطر من داعش (تصريح ورد في دوتشي فيللي في 12/12/2018) يندرج في هذا الإطار. كما أن تصريح الرئيس الفرنسي ماكرون الأخير (ورد في الجزيرة نت في 25/4/2019) المناهض بقوة للإسلام السياسي في فرنسا سيشجع أوروبا على التفاعل مع القرار الأمريكي المحتمل صدوره حول اعتبار الإخوان تيارا إرهابيا. ولا ننسى أن نضيف إلى أن القوى العظمى الأخرى في العالم مثل روسيا والصين لها موقف مناهض منذ القديم لتيار الإسلام السياسي الإخواني.
وسواء صدر القرار الأمريكي قريبا أو بعد فترة فإن صورة تيار الإسلام السياسي الموسوم بالاعتدال في عهد الرئيس الأمريكي السابق أوباما انتهت ولم تعد مقنعة.
ختاما وفي هذا الإطار أشير إلى أني نصحت حركة النهضة بتونس منذ أكثر من سنة بالانسحاب من الحكومة أي من السلطة التنفيذية نظرا لضعف مردودها في المجال الأمني والاقتصادي، والبقاء في البرلمان كقوة فاعلة في السلطة التشريعية لمدة عهدتين انتخابيتين على الأقل حتى تتفرغ لتغيير مقارباتها السياسية وخاصة الاديولوجية وتعلن بوضوح فك روابطها الفكرية والروحية وربما التنظيمية مع الإخوان المسلمين، وتعيد تأطير قاعدتها التي ما تزال غير متناغمة مع الديمقراطية والمدنية والحداثة وحقوق الإنسان، وتقبل صراحة بقانون جديد للأحزاب يمنع قيامها على أساس عرقي أو ديني أو لغوي وتلتزم به، لكن حركة النهضة لم تقتنع بذلك وما تزال مصرة على البقاء في الحكومة ولو بشكل رمزي لحماية تواجدها المكثف داخل الإدارة الجهوية والمركزية والذي تم في ظروف غامضة. وأعتقد أن مشاركتها في حكومة ما بعد انتخابات 2019 سيكون خطأ استراتيجيا لا تكتيكيا.