بقلم أعلية العلاني – جامعة منوبة – تونس
ما حصل ويحصل في الشارع العربي من حراك بدْءا بتونس وانتهاء بالسودان والجزائر يُحيلنا إلى الحديث عن أهمية دور الشارع في تغيير الأنظمة، لكن هناك تغييرات فشلت وأخرى نجحت. فما هي المشتركات والاختلافات بين الحراك في البلدان الثلاث؟ والتي يمكن اختصارها في ثلاث عناصر. وما هي أبرز الدروس المستخلصة؟
1) المشتركات في الحراك
- العنصر الأول: هو الخروج التلقائي للشعب الذي فقد الثقة في الطبقة السياسية الحاكمة الغارقة في الاستبداد والفساد المالي.
- العنصر الثاني: هو عدم وجود قيادة موحدة للحراك إذ تم تأجيل الحوار في تفاصيل ذلك الحراك إلى المرحلة الموالية.
- العنصر الثالث: هو تعبير المحتجين عن مطالب اجتماعية وسياسية كالشغل وحرية التعبير ولم تُرفع شعارات في هذا الحراك للبلدان الثلاثة مرتبطة بالهوية.
2) الاختلافات في الحراك بين البلدان الثلاث
- العنصر الأول: نجد في تونس أن الرئيس بن علي هرب أو تمّ إجباره على الهروب. في حين أن بوتفليقة عاد إلى بلاده من جينيف في أوج الاحتجاجات، صحيح أنّ الظرفية تختلف لكن رمزية الحدث كان لها تأثير مغاير. أما في السودان فقد تمسك الرئيس البشير بموقعه في السلطة إلى حين الانتخابات القادمة وتعامل مع الحراك بطرق غير سلمية حسب عديد من وكالات الأنباء. وهذا يؤكد لنا أن الإسلام السياسي لن يتنحى عن الحكم إلا بعد دفع فاتورة ثقيلة وهذا ما نخشى حدوثه في تونس عندما تزداد حركة النهضة توغلا في الحكم، وتجارب تيار الإسلام السياسي متشابهة في الزمان والمكان، وما على المواطن التونسي إلا أن يحسم خياره في الانتخابات القادمة، لأن موقف الإحباط والغياب عن التصويت لن يحل مشاكله.
- العنصر الثاني: إنّ محاولة السطو على الانتفاضة أو الحراك في تونس كان مبكرا إذ تجنّدت أحزاب الهوية لاستقبال الغنوشي بعد شهرين من هروب بن علي بتنظيم موكب " أقبل البدر علينا" في مطار تونس قرطاج، ورأينا بعد ذلك تداعيات هذا البدر على أمن واقتصاد تونس. أما في السودان فانتفاضة الشعب كانت ضد حزب مُؤدلج سيطر عليه الإخوان المسلمون مدة ثلاث عقود، ولا يعرف المحللون لحد الآن إنْ كان هذا النظام سيتغيّر سلما أو عنفا. وبخصوص الجزائر، فمن المبكر القول أن هذا البلد سيسقط أم لا في فخ صراع الهوية وقد عانى من مخاطر ذلك في تسعينات القرن الماضي ونتمنى له كل خير.
- العنصر الثالث: في تونس تم استبدال لوبيات الفساد في عهد بن علي بلوبيات فساد جديدة لم تقدر الحكومات المتعاقبة بعد 2011 على استئصالها بل كانت أحيانا مساهمة في إحداثها. كما تمّ في تونس التورط في تهريب العديد الإرهابيين خاصة في عهد الترويكا، وكلنا يعلم كيف تمّ تأمين تهريب زعيم تنظيم أنصار الشريعة أبو عياض من جامع الفتح بالعاصمة ومن اجتياز الحدود خلسة خارج البلاد. أما في الجزائر، وتحت ضغط الحراك فقد صرّح رئيس أركان الجيش قايد صالح أنه " لا يمكن السكوت عن العصابة التي نهبت ثروات البلاد" وكان أول إجراء تمّ اتخاذه اعتقال رجل الأعمال علي حداد وتحجير السفر عن 140 شخصية سياسية ومالية. أما في السودان فلم نسمع لحد الآن إيقافا نوعيا لرؤوس الفساد والاستبداد بهذا البلد.
3) الدروس المستخلصة
- يمكن القول أن حراك الجزائر حقق النصف الأول من النجاح وأنهى بذلك انتصارا في الشوط الأول بفارق كبير من النقاط حيث لم تكن هناك خسائر ولا عنف. كما أن القوة السلمية التي مثّلت حراك الجزائر تُذكرنا بأطروحة المهاتما غاندي الذي قهر بسياسة اللاعنف أقوى إمبراطورية في العالم في تلك الفترة وهي انجلترا.
- إن دخول الجزائريين إلى الشوط الثاني من هذا الحراك بدأ منذ البارحة، وهو ما يستوجب التسلح بترسانة من الإجراءات ومن بينها:
+ أولا: العمل على ترسيخ مفهوم المواطنة لصدّ كل محاولة لإحياء حرب الهويات.
+ ثانيا: تركيز دولة القانون والمؤسسات من خلال استقلالية حقيقية للسلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية، ومواصلة الحرب على الفساد.
+ ثالثا: الحفاظ على مؤسسة الجيش وجعْلها في خدمة الأمن والاستقرار والديمقراطية. وفي هذا الإطار يجدر التنبيه إلى إبعاد الأحزاب المؤدلجة وخاصة الدينية عن كل محاولة
لاختراق المؤسسة العسكرية والأمنية والاتعاظ من خطر تسييس المؤسسة الأمنية بتونس في عهد الترويكا.
- يمكن لتونس أن تستفيد من هذا الحراك أخذا وعطاء بعد أن يستكمل شوطه الثاني بسلام، خاصة وأن تونس مقبلة على انتخابات مصيرية سنة 2019، وذلك بالدخول في شراكة فعلية مع حكام الجزائر الجدد شراكة تشمل الأمن والاقتصاد وحماية التجربة الديمقراطية خاصة من دعاة التطرف والتطرف العنيف.