بقي الصندوق التونسي للتأمين التعاوني الفلاحي، المعروف اليوم باسم تأمينات كتاما، صامدا أمام الهزات والأزمات المالية منذ بعثه سنة 1912. وقد تطوّر نشاط الشركة لتغطي عديد الخدمات لتأمين مختلف المخاطر لتشمل التأمين على الحياة وتأمين السيارات...، خلال ال110 سنوات المنقضية وليبلغ عدد نقاط البيع ال150 نقطة بيع في مختلف جهات الجمهورية. ونجحت كتاما مؤخرا بفضل حسن تسييرها والبرنامج التصحيحي الذي وضعته في العودة إلى مربع الشركات الرابحة بعد سلسلة الخسائر التي سجلتها منذ 2011، ليتضاعف رقم معاملاتها في ظرف 4 سنوات. للحديث على البرنامج التصحيحي لتأمينات كتاما ونتائجها المالية، كان لنا هذا الحوار مع السيد لمجد بوخريص مدير عام الشركة.
1- أكد الصندوق التونسي للتأمين التعاوني الفلاحي موقعه كشركة رائدة في مجالها، هل بإمكانكم أن تقدموا لنا لمحة عنها وما هي أهم المنتجات التي تعرضونها ؟
الصندوق التونسي للتأمين التعاوني الفلاحي هو الاسم التاريخي للشركة أمّا الاسم المتداول اليوم هو تأمينات كتاما.
وتتميّز الشركة بعراقتها فقد بلغت اليوم 110 سنوات منذ بعثها وهي بذلك أوّل مؤسسة تأمين يتم بعثها بتونس. وكانت البدايات في مكثر من ولاية سليانة حيث تمّ بعث أوّل فرع يغطّي الأضرار الناجمة عن سقوط حجر البرد وهلاك الماشية، قبل أن يتمّ بعث فروع أخرى في مناطق أخرى.
وبعد الاستقلال وبالتحديد سنة 1961 تمّت تونسة شركة كتاما لتشرف على جميع الفروع المنتشرة في أنحاء الجمهورية. وبالعودة إلى جذورها كانت الشركة مختصّة حصريا في التأمين الفلاحي وبقيت كذلك لعشرات السنين. ثمّ تقرّر توسيع نشاطها لتشمل جميع أصناف التأمين الأخرى (كتأمين المصانع وتأمين السيارات والتأمين على الحياة...). وللقيام بذلك تمّ بعث فرع ثاني، لكنّه، رغم تطوّر رقم المعاملات لم ينجح في تحقيق نتائج مالية طيبة.وبعد سنة 2011، أصبح تسيير هذا الفرع صعبا بسبب نتائجه السلبية.
لذلك تمّ إدماجه في الشركة الأمّ، وهو ما ساهم أيضا في إثقال كاهلها وأثّر سلبا على موازناتها المالية. بالإضافة إلى المتاعب المالية التي أصبحت تعانيها الشركة، على غرار عديد المؤسسات الاقتصادية، ، شهدت تأمينات كتاما بعد 2011 بعض الهزّات الاقتصادية والاجتماعية التي أثّرت على موازناتها المالية وعلى صورتها وإستقرارها.
2- مرّت أربع سنوات منذ توليكم منصب مدير عام تأمينات كتاما، هل لكم أن تطلعونا على أهم الملفات والإنجازات في تلك الفترة ؟
كانت الشركة قاب قوسين أو أدنى من أن تكليف متصرّف قضائي لتسييرها. لكن بعد أخذ ورد تم تكليف مدير عام جديد ليضع برنامج إصلاح للشركة وتطويرها لتتجاوز الصعوبات المالية والاجتماعية التي عاشتها في الفترة الممتدة من 2011 إلى 2018.
وقدّ تمّ خلال هذه الفترة تسجيل عديد الإخلالات سواء على المستوى الموازنات المالية أو على مستوى النظام المعلوماتي والذي يلعب دورا هاما في المؤسسات المالية عموما وفي مؤسسات التأمين بشكل خاص. وفي حال كان هذا النظام يعاني من إخلالات فهو يعرقل مسار تطوير نشاط المؤسسة ووضع سياسة تجارية ناجعة علاوة على جعلها أقلّ تنافسية، وتضع مصداقية معطيات الشركة على محك، هذه المعطيات التي تتم مراقبتها من طرف مراقب محاسبات. كما سجّلنا مشاكل أخرى على مستوى الحسابات البنكية للشركة التي كانت تدفع فوائد ضخمة لفائدة البنوك.
بالإضافة إلى هذه الاخلالات، كانت الشركة تعاني مشاكل أخرى على مستوى ثقل الجانب الاجتماعي. فبعد 2011،وعلى غرار عديد المؤسسات الاقتصادية سجّلت الشركة حجم انتدابات استثنائي أثّر على موازناتها ، خاصّة وأنّ رقم معاملاتها لم يكن يغطي العدد الهام للمنتدبين الجدد.
بعد عملية التدقيق، انطلقنا في المسار التصحيحي الذي سيمتدّ على مدار عديد السنوات. وكانت بداية هذا المسار الإصلاحي بتجديد نظام المعلومات الذي كما ذكرنا سابقا كان يسجّل عديد الإخلالات، لذلك كان تجديد النظام المعلوماتي يمثّل أولوية بالنسبة للشركة. وضعتنا هذه الأولوية أمام خيارين إما اقتناء نظام معلومات جاهز بملايين الدينارات أو وضع نظام بالقدرات الداخلية للمؤسسة ومالت الكفّة للخيار الثاني وقررنا التعويل على مهندسي الاعلامية في الشركة والاستعانة بخبير خارجي لمساعدتهم. وفي ظرف سنة وبضعة أشهر، تمّ وضع نظام معلومات شامل للمؤسسة أفضى عن نتائج فاقت مستوى توقعاتنا ومكننا من تجاوز جملة الاشكاليات السابق ذكرها خاصة في مسألة استخلاص أقساط التأمين وتحسين صورة الشركة بفضل سلاسة وسرعة النظام الجديد، الذي قدّم لنا معطيات دقيقة ومقبولة شيأ فشيأ من قبل المراقبين. في مرحلة ثانية، تمّت تسوية أوضاع الحسابات البنكية التي كانت تكبّدنا خسائر مالية كبيرة بسبب حجم الفوائد الضخم الذي كنا ندفعه للبنوك.
أما فيما يخصّ ثقل الجانب الاجتماعي، وبما أنه لا يمكن القيام بتطهير اجتماعي. لذلك توجّهنا إلى خيار تجميد الانتدابات وعدم تعويض المحالين على التقاعد. واقترحنا على الموظفين إمكانية الانتصاب للحساب الخاص وفتح نيابة تأمين وتمثيل الشركة الأمّ. حققت هذه العملية نجاحا نسبيا حيث استقطبت أكثر من 20 موظّف الذين قبلوا خوض هذه المغامرة ولقيت هذه التجربة دعما من سلطة الإشراف التي سرّعت في منح التراخيص.هذه العملية علاوة على مساهمتها في تقليص عدد الموظفين فإنها أعطت دفعا لرقم المعاملات .
3- ما هي أبرز النتائج المالية التي حققتها الشركة خلال سنة 2021؟
بفضل بعض الإصلاحات الذي شهدتها تأمينات كتاما، مرّ رقم المعاملاتها من 78 مليون دينار في نهاية 2017 إلى ما يقارب 150 مليون دينار في 2021، أي قرابة الضعف في 4 سنوات.
وساهمت في هذا التطوّر عدّة عوامل منها الاستقرار الاجتماعي واطمئنان الموظفين على وضعية مؤسستهم ما انجرّ عنه تحفيز النشاط داخل المؤسسة. إضافة إلى نظام المعلومات الجديد الذي تمّ وضعه وسهّل بشكل ملفت عملية الاكتتاب وعملية الإستخلاص وتحسين بشكل طيب جدا في السيولة.
4- ما هي المحاور الرئيسية لخطتكم التطويرية الجديدة؟
هذه الإصلاحات غير كافية لتغطية النقائص المالية التي ترتبت عن 8 أو 10 سنوات سجّلت خلالها الشركة خسائر هامّة. صحيح أنّ تأمينات كتاما سجّلت خلال سنة 2020 نتائج مالية إيجابية وبلغت أرباحها 5.6 مليون دينار إلا أنّ هذه الأرباح غير كافية لتغطية الخسائر المتراكمة منذ سنوات.
لذلك فكّر مجلس الإدارة في حلول إضافية أكثر عمقا لتجاوز الوضع المالي للشركة، وقمنا باستشارة لدى عديد المؤسسات التونسية ووقع الاختيار على بنك أعمال لكي يقوم بدراسة الوضعية المالية للمؤسسة واقتراح حلول لتجاوز الاشكالات القديمة ومطابقة المؤسسة للقانون الجاري به العمل. من ضمن الحلول المنتظرة عقد شراكة سواء مع مؤسسات مالية أو مؤسسات اقتصادية لديها اختصاص في المجال الفلاحي، نظرا للتاريخ الفلاحي للشركة.
5- قراءتكم لوضع قطاع التأمين الفلاحي في تونس؟
الفلاحة في تونس غير مؤمّنة بالقدر الكافي لعدّة أسباب منها الظروف المادية للفلاح وصغر حجم أغلب الأراضي الفلاحية أو لنقص في السياسة الاتصالية لشركات التأمين في القطاع الفلاحي لتصحيح الأفكار الخاطئة التي يحملها الفلاح عن قطاع التأمين، إذ يعتقد أنّ عملية التأمين مكلفة بينما العكس صحيح. يجب بذل مجهود إضافي في الاتصال المباشر مع الفلاح. القطاع الفلاحي لا يزال "خام" في مجال التأمين فنسبة اندماج القطاع الفلاحي تمثّل 30 مرّة أقل من نسبة اندماج التأمين في بقية القطاعات.
6- كيف تقيمون تجربة صندوق الجوائح؟
أمام تعمّق تحديات القطاع الفلاحي أمام الظروف المناخية الصعبة وسرعة تواتر حدوث الكوارث الطبيعية على غرار الفيضانات والجفاف والارتفاع القياسي لدرجات الحرارة وما تمثله هذه الظواهر الطبيعية من تهديدات متكررة ويومية للمحاصيل الفلاحية.
تمّ منذ سنتين إحداث “صندوق تعويض الأضرار الفلاحية الناجمة عن الجوائح الطبيعية”. وهي تجربة طيبة بادرت بها الدولة لمساعدة الفلاح وأعطيت لتأمينات كتاما مهمّة تسييره.
لكن نلاحظ أنّ الفلاح ليس متحمسا بما فيه الكفاية للانخراط في الصندوق. فقد انخرط في البرنامج خلال السنة الأولى قرابة 3500 تمّ تعويضهم بالأساس عن جائحة الجفاف والجليدة. هذا الصندوق يهدف إلى المساهمة في تعويض الأضرار التي تلحق بالمنخرطين، من جراء الجوائح الطبيعية والتي لا تدخل في مجال التأمين العادي كالعواصف والفيضانات والجليدة والجفاف والرياح والثلوج.
إبرازات:
· مرّ رقم معاملات كتاما من 78 مليون دينار في 2017 إلى ما يقارب 150 مليون دينار في 2021
· من ضمن الحلول المنتظرة عقد شراكة سواء مع مؤسسات مالية أو مؤسسات اقتصادية
· نسبة اندماج القطاع الفلاحي تمثّل 30 مرّة أقل من نسبة اندماج التأمين في بقية القطاعات