"أعد التونسيين بالعدل والحرية وعلوية القانون على شاكلة الفاروق عمر بن الخطاب الذي يُعتبر رجل دولة بامتياز ونموذجا يحتذى به في الحزم والعدل"
تلك وعود أستاذ القانون الدستوري قيس سعيّد للتونسيين أثناء خوضه سباق الرئاسة خلال شهر أكتوبر من العام الماضي.
حملة سعيّد الانتخابيّة وصفت بـ "المتفرّدة"، إذ طغت عليها مظاهر "التقشّف" و"الزهد" مقارنة بمنافسيه، فلم نشاهد علامات إشهارية مضيئة وعملاقة في الشوارع ولا لقاءات وإجتماعات لتقديم برنامجه بالنزل ولا إجتماعات جماهيرية، فحملة الرجل إقتصرت على بعض اللقاءات المباشرة مع أنصاره بعدد من المقاهي الشعبيّة شمالا وجنوبا، حتى أنّه لم يتردد عن إعلانه رفض الحصول على تمويل عمومي يضخّه في حملته الإنتخابية.
قيس سعيّد رغم عذريته السياسية تمكّن من إزاحة منافسيه في جولتين رئاسيتين برصيد تلخّص في "الإستقامة ونظافة اليد" ليظهر لدى مناصريه في "ثوب المنقذ" من طبقة سياسيّة ظهرت بعد الثورة ورافقتها ملفات وتهم وقضايا فساد.
"المتزهّد" يسكن القصر
وصل أستاذ القانون الدستوري سدّة الحكم بقصر قرطاج بنسبة تجاوزت الـ70 بالمائة وأعلن "محارب الماكينة والسيستام" فوزه بتاريخ 13 أكتوبر 2019.
أدّى سعيّد اليمين الدستوريّة تحت قبّة البرلمان بعد 10 أيام من إعلان فوزه وأقسم على أن يحافظ على إستقلال تونس وسلامة ترابها، وأن يحترم دستورها وتشريعها، وأن يراعي مصالحها، وأن يلتزم بالولاء لها
وشدد رئيس تونس المنتخب في خطابه عقب أدائه اليمين على أنّ التونسيين والتونسيات بحاجة إلى علاقة ثقة جديدة بين الحكّام والمحكومين وأن مرافق الدولة يجب أن تبقى خارج الحسابات السياسية.
مرّت سنة على تولّي ساكن قصر قرطاج الجديد مقاليد الحكم، الرئيس الذي وعد بالعدل والحريّة وعلويّة القانون على شاكلة الفاروق "عمر بن الخطاب"
سنة من "إنجازات" الرئيس
فترة حكم سعيّد وإن بدت في بداياتها، إلاّ أنّها خلت من الإنجازات وإقتصرت على تصريحات وخطابات "ناريّة، مفخّخة، مشفّرة ومبهمة"
فإنجازات الرئيس التي تمّ الإعلان عنها تمثلت أساسا في مصادقة مجلس الأمن الدولي يوم 1 جويلية المنقضي بالإجماع على القرار الذي تقدمت به تونس وفرنسا والمتعلق بمكافحة جائحة كورونا
وينص هذا القرار على إيقاف النزاعات المسلحة لمدة معينة ويدعو مختلف الأطراف الضالعة فيها إلى هدنة إنسانية بما يمكّن من إيصال المساعدات الإنسانية.
فضلا عن دوره وموقفه من الملف الليبي الذي أكّد فيه على ثوابت الموقف التونسي لحلّ الأزمة الليبية وفق مقاربة تقوم على وحدة ليبيا ورفض التدخلات الخارجية وإيجاد حل ليبي ليبي بعد أن أعلن سابقا عن رفضه الدخول في حلف أنقرة بخصوص هذا الملف.
ربما يرى البعض أنّ "إنجازات الرئيس" لا تتماهى مع حجم وعوده وإشاراته المشفرة في "خطاباته النارية" وإتهام "أطراف" مازال التونسيون يجهلها، بـ"مؤامرات ومخططات" و"خلق أزمات" تسعى إلى إرباك الدولة
في حين يرى البعض من مناصريه أنّ "إنجازات الرئيس" مرتبطة أساسا بصلاحياته التي حدّدها الدستور والتي قلّصت من نفوذه لتقتصر أساسا وفق الفصل 77 من الدستور التونسي، على رسم السياسات العامة في مجالات الدفاع والعلاقات الخارجية والأمن القومي واعلان الحرب وإبرام السلم بعد موافقة مجلس النوّاب بأغلبية ثلاثة أخماس أعضائه وحلّ مجلس نواب الشعب في الحالات التي ينص عليها الدستور وإتخاذ تدابير تحتمها الحالات الإستثنائية وإعلانها طبقا للفصل 80 من الدستور وغيرها من الصلاحيات التي يراها البعض محدودة.
سعيّد "يفتح النار" على الجميع
ورغم أنّ أستاذ القانون الدستوري قيس سعيّد يدرك جيّدا حدود صلاحياته التي رسمها الدستور إلا أنه بدا "متمرّدا" في خطاباته، فالرئيس لم يفوّت فرصة واحدة منذ توليه الحكم ليطلق النار على "أطراف مجهولة" هدد بفضحهم، ففي شهر سبتمبر المنقضي وتحديدا أثناء موكب أداء اليمين الدستورية لأعضاء حكومة هشام المشيشي، قال الرئيس "سأتحدث بكلّ صراحة عن الخيانات والمصالح والإندساسات وعن الغدر والوعود الكاذبة والإرتماء في أحضان الصهيونيّة والاستعمار"، لكنه وإلى حدّ كتابة هذه الأسطر لم يصارح سعيّد شعبه بهويّة هذه الأطراف .
بدا الرئيس غاضبا بملامح صلبة وخطاب ناري هدد فيه بكشف الحقائق ومصارحة الشعب وأرجع العديد غضبه آنذاك إلى إضطرار رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ الذي إختاره الرئيس للإستقالة بعد أن أودعت كتلة حركة النهضة بالبرلمان لائحة بسحب الثقة منه إثر ما عرف بقضية "تضارب المصالح"
لم يكن خطاب الرئيس الأوّل من نوعه الذي يعلن فيه عن وجود "المؤامرات" و"الغرف المظلمة"، حيث سبقه خطابات أخرى بنفس النبرة والحدّة على غرار "خطاب سيدي بوزيد" في 17 ديسمبر من السنة الفارطة، إذ قال " سوف تتحقق مطالب وإرادة الشعب كاملة رغم مناورات المناورين والمؤامرات التي تحاك في الظلام"
كما قال في 22 جويلية 2020، خلال زيارة تفقدية لكل من فيلق القوات الخاصة العسكرية ووزارة الداخلية "أعلم جيّدا ما يدور في سهرات هؤلاء المتآمرين ومآدبهم ولقاءاتهم... فهم يهيّئون للخروج عن الشرعيّة"
في إنتظار "خطاب المصارحة"
خطابات "هجوميّة وإتهاميّة" وإن استحسنها مناصروه، فإن البعض الآخر إتهم الرئيس بإفتعال أزمة سياسية في ظل مشهد سياسي متأزّم بطبعه، خاصة وأنّ الرئيس لم يستخدم بعد "أسلحته الدستورية" للكشف عن المتآمرين الذين خططوا لإرباك أمن تونس وسلمها وعاثوا في الأرض فسادا.
أشهر مرّت على إعلان "الرئيس" حربه على "المتآمرين" و "الفاسدين" إنتظر فيها التونسيون "خطاب المصارحة" أو ربما "خطاب الصدق" على خطى الفاروق عمر بن الخطاب الذي قال " عليك بالصدق وإن قتلك"