النخبة التونسية... من النضال الفكري إلى نشأة أول حزب سياسي

 

بعد فترة المقاومة المسلحة غداة انتصاب الاستعمار وعودة الاستقرار سرعان ما أخذت النخبة المثقفة التونسية بزمام المبادرة واعتمد على الصحافة فقد تأكدت الحاجة إلى صحيفة تهتم بمشاغل التونسيين فأسست فيما بين 1888 و1897 ثلاث صحف تونسية هي "الحاضرة" و"الزهرة" و"سبيل الرشاد".

 

وقد صدر أول عدد لجريدة الحاضرة يوم 12 أوت 1888 واستمرت إلى عام 1911 وهي جريدة أسبوعية سياسية أدبية، كانت لسان حال الحركة الإصلاحية ومن مؤسسيها ومحرريها الشيخ سالم بوحاجب (1827-1924) وعلي بوشوشة (1859-1917) ومحمد السنوسي (1851-1900) ومحمد القروي وقد ضمن بذلك بعض طليعة الفوج الأول من الصادقيين الذين سيكون لهم شأن كبير في تاريخ النهضة التونسية الحديثة ومن بينهم البشير صفر (1865-1917) وخير الله بن مصطفى (1867-1965) ومحمد الأصرم (1858-1925) وعلي الورداني (1861-1905) ومصطفى دنقزلي (1865-1926) وخليل بوحاجب (1863-1942) إلى جانب علي بوشوشة (1859-1917) لتكون بداية ظهور ثمار مشروع خير الدين الإصلاحي والتي لم تقتصر فقط على خريجي المدرسة الصادقية بل شملت كذلك من انخراط معه في مشروعه منذ فترات مبكرة من الزيتونيين على غرار الشيخ سالم بوحاجب (1827-1924) أو أبنائهم على غرار خير الله بن مصطفى.

 

استغلت هذه النخبة المجالات التنظيمية الجديدة التي انتشرت غربا وشرقا وهي الجمعيات فأسست العديد منها لتكون فضاءات للدفاع عن الهوية الحضارية ولنشر الفكر الإصلاحي فظهرت في هذا الإطار ومنذ فترة مبكرة جمعية الخلدونية سنة 1896 والتي ساهم في تأسيسها مشايخ من الزيتونة إلى جانب تلاميذ وخرجي الصادقية لتتكرس فكرة الإصلاح القائم على الحداثة والأصالة والتي سرعان ما تجسمت كذلك من خلال تأسيس جمعية قدماء الصادقية 1905 وذلك في تناغم مع نشأة وتدعم نشاط حركة الشباب التونسي وصدور جريدة Le tunisien 7 فيفري 1907 التي عبر من خلالها المثقفون عن تذمرهم من غياب هياكل تمثيلية تونسية أو على الأقل عدم مشاركة التونسيين في الهياكل الموجودة والذي ساهم في إقرار مشاركة التونسيين لأول مرة في الندورة الاستشارية التي أسسها المعمرون منذ 1890 ولم يسمحوا بمشاركة التونسيين.

 

لقد كانت نشأة حركة الشباب التونسي تعبيرا على وعي النخبة الوطنية الناشئة بضرورة النضال من أجل إثبات الذات التونسية بأبعادها المختلفة فأخذت من الجذور العربية الإسلامية ومن الأفكار التي انتشرت في المشرق العربي على يد محمد عبده وجمال الدين الأفغاني كما أخذت عن الحركة الإصلاحية لخير الدين فكانت تركيبة أعضائها ونشطائها مزيجا من الزيتونيين ومن الصادقيين. ومن أهم نشاطاتها النضالية تزعمها التحركات خلال حادثة الترامواي سنة 1911 وأحداث الجلاز سنة 1912. رغم قصد المدة (خمس أو ست سنوات) تمكنت حركة الشباب التونسي التي جمعت نخبة تونسية تحمّل مسؤولية النطق باسم الأهالي والتعبير عن مطالبهم الإصلاحية فعبّدت بكتاباتها وأنشطتها وتضحياتها الطريق لتأسيس أول حزب سياسي بعد الحرب والذي أخذ عنها مشعل النضال الوطني وهو الحزب الحر الدستوري التونسي بزعامة الشيخ عبد العزيز الثعالبي الذي شاركت في تأسيسه ثلة من التونسيين كان جلهم ينتمي إلى حركة الشباب التونسي.