تسببت جائحة "كوفيد-19" في توقف العمل بشكل شبه كلي منذ يوم 22 مارس الفارط، مما اثر عموما على مردودية كافة القطاعات الاقتصادية. و تقدر العديد من الدراسات العبء المالي لهذا التوقف بنحو 10 الاف مليارا من المليمات (2% من الناتج المحلي الاجمالي اسبوعيا) دون اعتبار تكلفة اعادة تشغيل القطاعات المذكورة و نقص الارباح المرتقب تسجيله خلال الفترة القادمة سيما في قطاعات النقل الجوي و التعاملات التجارية الدولية و السياحة و الاستثمار الاجنبي وهو ما ستعيشه مجمل اقتصاديات العالم استنادا الى العديد من التقارير الدولية الصادرة، في هذا الشان.
و تفرض هذه المعطيات و المستجدات تدارك الخسائر بصفة جد ناجعة وهو ما يقتضي تضحيات كل اطياف المجتمع خصوصا و ان السلط قد اتخذت حزمة كبرى من التدابير تتضمن اكثر من عشرين اجراء اقتصاديا و اجتماعيا، في هذا الاطار، للتقليص من حدتها.
غير ان بذل المزيد من الجهد و العمل كقيم محورية لمجابهة الجائحة يبقى احد ابرز الحلول لتجاوز العديد من التحديات الاقتصادية و الاجتماعية التي تعيشها تونس على غرار كافة بلدان العالم. و يدعو في هذا السياق العديد من المتابعين للشان الاقتصادي الوطني، للحد من تواتر العطل قدر الامكان و من اسباب توقف العمل مع اقتراب بداية الرفع التدريجي الللحجر الصحي العام و استعادة القطاعات الاقتصادية لنسق نشاطها المعتاد.
هذا و يبلغ عدد ايام العطل و الاعياد الرسمية وفق بيانات رئاسة الحكومة بعنوان السنة الحالية خمسة عشر يوما هو و يبدو انه و لاول مرة منذ سنوات طوال فان عدد ايام العطلة لعيدي الفطر و الاضحى المقررين لهذا العام قد يصل الى نحو اسبوع كامل بحساب ايام العمل المفتوحة، مما يطرح عدة اسئلة حول مقارنة هذه المعطيات بسائر دول العالم لا سيما المجاورة للبلاد و تلك الواقعة في المحيط الاقليمي العربي و المتوسطي، من ناحية و حول تاثير طول مدة العطل على القيمة المضافة الاقتصادية رغم ضعفها، من ناحية اخرى.
و في هذا الاطار، فان اخر تقرير صادر عن المنتدى الاقتصادي الدولي في خصوص محور حوكمة راس المال البشري يبين ان معدل ايام العطل الرسمية في الفضاء الاوروبي الذي تربطه بتونس مبادلات وثيقة فيما يتعلق بالتجارة الخارجية و التعاملات المالية (76% من التداولات) لا يتجاوز حوالي 4 ايام في المعدل، في حين يناهز العدد 8 ايام في منطقة شمال افريقيا و الشرق الاوسط بمعنى ان عدد الاعياد في تونس يفوق المعدل الاقليمي على صعيد توقف ايام العمل بمناسبة العطل و الاعياد بنسبة 67.2% سنويا.
في جانب اخر، تصل كلفة توقف العمل في سياق الاحتفال بالاعياد و العطل و ذلك بالرجوع للمعطيات الاحصائية المنشرة على المواقع المالية الرسمية على مستوى القيمة المضافة الاقتصادية العامة - خصوصا ان التوقف يعني عموما شلل الاستهلاك و تحول المدن الكبرى بشكل ادق الى ساحات قفراء – الى زهاء 4030 مليارا من المليمات وهو ما يعادل فقدان نحو 0.24 نقطة مائوية من نمو من الناتج المحلي الخام بحساب الاسعار الجارية و تراجع الاستهلاك العمومي و الخاص بما قدره 3730 مليارا من المليمات و تقلص تكوين راس المال الوطني الثابت بما قيمته 753 مليارا من المليمات.
اما فيما يتعلق بالاعياد الهامة للتونسي و ابرزها عيد الفطر و عيد الاضحى، فان توقف العمل يناهز للعيدين 5 ايام هذا العام ما يعني نقصا في القيمة المضافة ب 1343 مليارا من المليمات دون الاخذ بعين الاعتبار لمسالة "الجسور" ان صح التعبير وهي العطل الموازية او المتممة للاسبوع التي يقع اللجوء اليها بكثافة في مثل هذه المناسبات وهو ما ينجر عنه في الغالب توقف النشاط الاقتصادي الى ازيد من اسبوع بصفة عامة.
غير انه و من الملفت للانتباه ان البعض يؤكد على انه من المفروض ان يتم إقرار عطلة عيد الإضحى بخمسة أيّام وعطلة عيد الفطر بثلاثة أيّام و على الأقلّ بشكل دائم و يجري تدعيم هذا الاقتراح بحاجة التونسيّين لوقت كاف ومريح للإحتفال بأعيادهم الدينيّة بما يقوّي الجانب العائلي والاجتماعي لديهم، كما يريحهم جسديّا ومعنويّا خاصّة وأنّ نسبة كبيرة منهم - وفق تقدير هذه الجهات - يضطرّون للتنقّل بين مدينة إقامتهم وبين مسقط رأسهم و تعتبر مثل هذه التصورات حسب معايير قيمة العمل و الوقت اليوم في العالم مظاهر يرى البعض انها سلبية.
ومن جهة ثانية فإنّ إقرار عطل طويلة و غير معقولة بالأعياد هو امر غير منشّط للإقتصاد بسبب شل حركة الانتاج و الإستهلاك بقطاعات واسعة مثل الصناعة و التجارة والسياحة والترفيه والخدمات والنقل ونحوه.. وبالتالي فله مضار اقتصاديّة وماليّة كبيرة.