رأي

على هامش فوز ياسين العياري / تهويمات استثنائية في السياسة التونسية

على هامش فوز ياسين العياري / تهويمات استثنائية في السياسة التونسية

18 ديسمبر 2017 21:56 المولدي الزوابي

 

ليس من باب الصدفة ان تسجل نسبة المشاركة في الانتخابات الجزئية بالمانيا التي جرت بين 15 و17 ديسمبر 2017 النسبة الاضعف في تاريخ الانتخابات التي عرفتها تونس( 5 بالمائة ) بل وحتى في تاريخ بقية جاليات  البلدان العربية التي تمتلك رصيدا بشريا هاما  ومتفاوتا من حيث العدد،  وخاصة تلك الاجيال التي استفادت  من قيمة المواطنة في بلد لا مزايدة على احترامه لحقوق المواطن الى درجة عالية والتزامه بالقيام بواجباته، وهو ما كان  يفترض ان يمثل دافعا لتوسيع دائرة المشاركة خاصة وان مع الاحساس بالبعد عن الوطن  تكون مثل هذه الاستحقاقات مناسبة للتعبير عن درجة الارتباط المعنوية بالوطن .

 

بلغة الارقام يقيم ما لايقل عن 90 الف تونسي على الاراضي الالمانية ثلثيهم على الأقل معنيين بالانتخابات  26000  فقط من اصل 90 الف  مسجلون كناخبين واكثر من 64000 عدد المقترعين هو الاخر لم يشذ عن القاعدة، حيث لم  يتجاوز  1326  وهو رقم سجل اكثر منه بكثير في مناسبات مماثلة سابقة في  هامبورغ  لوحدها على سبيل الذكر لا الحصر مقسم بين 25 قائمة انتخابية اي بمعدل 53 ناخب لكل قائمة تقريبا دون احتساب قائمة الصفر

 

وعليه لم تتجاوز القائمة الاولى "الامل" لمرشحها ياسين العياري 284 صوتا في حين تذيلت قائمة المنارة الترتيب الاخير بصفر صوت، وهو ما يعني ان مرشحها اصلا غير معني بالعملية الانتخابية  برمتها حتى وان كان هو المرشح والفائز المحتمل او انه توفي قبيل انطلاق عملية الاقتراع لاقدر الله

 

 لا عجب من هذا المنظور ان يفوز شاب تونسي دون يافطة حزبية واضحة ومعلنة وان كان غير خفي  لدى المتابعين على الاقل انه الاقرب الى حزب حراك شعب المواطنين لمؤسسه الرئيس السابق المنصف المرزوقي، وهي ورقة متنامية الحظوظ و بات اللعب عليها ممكنا طالما نجحت في انتخابات سابقة فضلا على انه كان الابرز من خلال ما راكمه من نتائج حصدها بعيد استشهاد والده على يد الخونة والارهابيين في 18 ماي 2011 ، مشكلا بذلك  اول  شهداء الوطن الذين  استهدفتهم المجموعات الارهابية  وما استتبع ذلك من معارك خاضها في وجه وزارة الدفاع الوطني انتهت بسجنه والتعريف به محليا ودوليا وهي عوامل مثلت له رافعة انتخابية غذاها دعم واضح واخر غير معلن.

 

فقبل هذه الانتخابات وعلى امتداد ثلاث سنوات ونيف تربع على عرش المنابر الاعلامية المرئية بدرجة اساسية العديد من السياسيين(حكما ومعارضةلم يحسنوا الدفاع عن التنظّم السياسي كأعلى درجة في الوعي البشري، بل كثيرا ما اساؤوا عبر تصريحاتهم ومعاركهم وتلميحاتهم وشعبوية البعض منهم  الى العمل السياسي والتنظم الحزبي كما لو انه جريمة ترتكب في حق الشعب دون ادراك لدى البعض الذي استُجلب لحلبة الصراع،  وعن ادراك   لدى بعض المتحكمين في اللعبة السياسية المدعومين محليا ودوليا بأن ذلك غذى بشكل كبير استهجان المواطن للعمل السياسي والطبقة السياسية ومقاطعته له وعدم استعداده للخوض فيها احيانا.

 

هذا الاستهجان الذي بلغ حد الرفض غذته الصراعات الداخلية التي لم تعد الاحزاب قادرة على اخفائها وبرزت، وعلى امتداد الثلاث سنوات ، معارك تراوحت بين العنف اللفظي والمادي الذي استخدمت فيه الهراوات والاتهامات والتخوينات وذلك من خلال عناصر وقيادات حاولت بشكل او بآخر ان تستثمر اللحظة لتتبوأ اماكن متقدمة في المشهد او تحافظ على  تلك المكانة، وهو الامر الذي غاب فيه منطق الانسجام كرافعة للانجاز والتقدم، فيما اختار اخرون العمل من داخل المكاتب معبرا على عدم استساغته  ان العمل السياسي في تونس وفي وضع متحرك بات في قطيعة ابستمولوجية مع الوقوف على الربوة والتنظير المكتبي، وان التونسي في حاجة الى الاستماع لمشاغله بشكل مباشر ومشاركته  اهتماماته وهمومه وانتظاراته وتشريكه في قرارات بدونه لامعنى لها.

 

هذه الممارسات مثلت خيبة امل عميقة لدى المواطن التونسي الذي علق امالا كبيرة على التغيير الحاصل ذات جانفي 2011 ، فمن اختارهم بأغلبية متقاربة لم يوفوا بوعودهم وقدموا صورة لم ترتق الى المستوى الذي يجعل المواطن مشدودا الى امل قد يتحقق ومن كان مستجدا على الساحة السياسية تعامل مع هذا المواطن كما لو انه عبد يشترى ويباع كيف ما شاء، وان قدمت له خدمة فهي مقابل مدى تقديمه لضمانات الولاء لهذا الطرف او ذاك، فيما عوقبت الاحزاب التي شقت مبكرا النضال ضد اشكال الاستبداد الى درجة باتت غير قادرة على استعادة بريقها ومكانتها المتقدمة رغم ما بذلته من جهود  لتقدم بعض الاطراف المعارضة صورة  بقيت تراوح مكانها  الى درجة  ساعدت المواطن على كشف الثقافة التي تدار بها السياسة لديهم، ناهيك و ان اصحابها لازالوا  لم يتجاوزوا  بعد مرحلة الاحتجاج وعدم استعدادهم بعد ان المعار ضة في زمن الاستبداد لاتدار بذات ادوات المعارضة في نظام ديمقراطي او  على الاقل في طريقه الى التشكل.

 

مقابل ذلك  حافظ عدد كبير من نشطاء المجتمع المدني في قطاعات مختلفة  (نقابية وحقوقية و...) على التخفي وراء العمل الجمعياتي واعتماد قاعدة تجريم العمل السياسي كما لو انه كارثة محدقة بمستقبل تونس والتونسيين، دون ان يعي بأن الرحى تطال رافده السياسي  مقدما ذلك للمقبلين  الجدد او "التائبين" من سلطة الحزب الواحد على العمل والمشاركة في الشأن العام كأفضلية طهورية تقيه شر السهام الموجهة للسياسيين، ولم يسلم من ذلك اي حزب واي قيادي مهما كانت درجة وطنيته ومصداقيته ومهما كانت درجة نضاليته ومهما كانت درجة جاهزيته للمساهمة في ادارة الشأن العام وكأني بعمل ممنهج واضح الاهداف رسم من داخل دوائر تحترف عمليات الافراغ  واقامة منابر النواح والندب والاعتماد على (ماعون الخدمة) التقليدي  في سعي منها للتفرد باستخدام بقية الادوات المعروفة تقليديا من بينها شبكة العلاقات العمودية المعززة بمنطقي الطمع والخوف وهما أداتان حكم بهما بن علي على امتداد اكثر من عشرين سنة حتى وان لم يتوجه الناخب للاقتراع.

 

بين هذا وذاك بدت المعركة "الرّحى" بين عسكر الأمس بشقيه الذي  كثيرا ما استطعم لذات وملذات النظام السابق وبين من اخفقت اجنحته جدران السجون والمحاصرة والتضييق والملاحقة من جهة وبين المستحدثين الذين استهواهم العمل السياسي والذي  استباح استخدام كل الاسلحة القديمة والحديثة بل وحتى المعطبة لتحقيق اهدافه، وباتت ثقافة الضغينة والاحتراب السياسي  على اشده رغم ان الساحة السياسية في تونس لم تعد تحتمل اللون الواحد بل تفرض مبدأ التعايش السلمي كضرورة  بقاء بضمانات مدنية ذات خصوصية تاريخية وحضارية عجزت كل المحاولات لتغييرها وهو امر يكاد يكون مستوعبا من قبل اكثر الاطرف المتهمة بإفساده.  

 

إلى ذلك ، من المرتقب أن يكون لهذه الانتخابات الجزئية في المانيا التي اتسمت بضعف نسبة المشاركة(وهي ليست حالة خاصة بتونس)،  والتي كشفت ان التزوير بات أمرا بعيد المنال تداعياتها  واسقاطاتها على الاستحقاقات الانتخابية المقبلة ان انجزت في مواعيدها،  لاسيما وان هذه الانتخابات الجزئية  بينت وان شركات سبر الأراء لاقيمة لها ولو مرحليا في توجيه الرأي العام وان الاحزاب الحاكمة وخلافا لما كان سائدا ليست بالضرورة هي الفائزة  في اعلان واضح ان الادوات الكلاسيكية في اقناع الناخب باتت في حاجة للتعديل والتحيين،  وان منح نائب الحزب الاغلبي لعضوية في الحكومة خطأ جسيم وان الحملة التي طالبت بعدم ترشح حافظ قايد السبسي  هي الاخرى اكثر جسامة وان عكست قدرة رئيس الجمهورية على التقاط اللحظة وانقاذ ابنه المدير التنفيذي من فشل ذريع كاد  أن يحوله الى ما يعبر عنه محليا بـ "المزقرة"،   فضلا على انها لازالت تعكس عدم قدرة الاطراف المستجدة والكلاسيكية بعد على قراءة المشهد المتحول تداعياتها في المرحلة المقبلة لا على الاحزاب السياسية فحسب بل على مستقبل الديمقراطية الناشئة، وذلك ان لم تسارع كل القوى المدنية والسياسية بمراجعة خطابها وتواصلها مع الاخر وعملها المبني على الوضوح دون مواربة او استعلاء وذلك عبر الالتصاق بهموم الشعب ومساعدته و تأطيره على ان يعيش في دائرة الحق والواجب.

18 ديسمبر 2017 21:56

المزيد

رضا الدلاعي: موقف راشد الغنوشي غير مسؤولٍ والقرار ليس بيده

عبّر النائب عن حركة الشعب، رضا الدلاعي في تصريح لـ"آخر خبر أونلاين" صباح اليوم، الثلاثاء 9 جوان 2020، أن تصريح رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي غير مسؤول ولا يراعي دقة ...

09 جوان 2020 09:19

حمة الهمامي يكتب عن نبيل البركاتي في الذكرى 33 لإستشهاده

  وصل " آخر خبر أونلاين " من الأمين  العام لحزب العمال حمة الهمامي النص التالي عن نبيل البركاتي في الذكرى 33 لاستشهاده    إِلَى الخَالِد...  نبيل بَرَكَاتِي في ...

08 ماي 2020 09:07

تحليل / فيروس "كورونا" القاتل لن يقضي على العولمة

  وكالات - في أعقاب تفشي فيروس كورونا المستجد والذي يجتاح العالم حاليا، ظهرت مجموعة من المقالات التي تنعي العولمة، مثل "تفش عالمي يغذي رد الفعل العكسي ضد العولمة"، ...

26 مارس 2020 09:06

رأي / المنتفعون والخاسرون من مشروع تعديل القانون الإنتخابي في تونس... وماذا لو تأجّلت الإنتخابات؟

بقلم د. أعلية العلاني. باحث وأكاديمي في القضايا الاستراتيجية   أثار مشروع تعديل القانون الانتخابي في تونس الذي ربما يتم التصويت عليه يوم 18/06/2019 جدلا كبيرا على ...

17 جوان 2019 11:27

تحليل / تكهّنات حول أسرارٍ عسكريّة إيرانيّة وراء التراجع الأمريكي

   للمرة الثالثة في عهد الرئيس ترامب يحبس العالم أنفاسه ويبدو مشدوهاً أمام  الإنحدار نحو شفير هاوية حرب قد تتدحرج لتتهدد البشرية جمعاء، بدءاً من كوريا الشمالية ...

21 ماي 2019 08:53