كان مُشبّعا بالقضية الفلسطينية حتى أصبحت في ذرات جسده ونَفَسِه ودمه، وعبر عن حبّه الخالص لفلسطين ودفاعه عنها بقوله: "لدينا قضية نقاتل من أجلها، وهذا كثير جداً"، وقال المناضل الراحل غسان كنفاني: إن "الشعب الفلسطيني يفضّل الموت واقفاً على أن يخسر قضيته، هذا الشعب سيستمر بالقتال حتى ينتصر، ولن يهزم أبداً".
الروائي والقاص والصحفي الفلسطيني كنفاني، اغتيل على يد جهاز مخابرات الاحتلال الإسرائيلي (الموساد) في 8 جويلية 1972 عندما كان عمره 36 عاماً، بتفجير سيارته في منطقة الحازمية قرب بيروت، وقتلت معه ابنة أخته لميس ذات التسعة عشر عاما، وكان حينها عضواً بالمكتب السياسي بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
وعلقت رئيسة وزراء الاحتلال حينها، غولدا مائير، على عملية الاغتيال، قائلة: "اليوم تخلصنا من لواء فكري مسلح، فغسان بقلمه كان يشكل خطراً على إسرائيل أكثر مما يشكله ألف فدائي مسلح"، وهي التي أصدرت قراراً في ذات العام بتصفية عدد من أعلام الفلسطينيين وقياداتهم.
وفي ذكرى اغتياله من كل عام، يتذكر الفلسطينيون كتاباته وأفكاره وتضحياته، ويؤكدون مواصلة الطريق التي بدأها المناضل الفلسطيني، ويتناقلون كتاباته ومؤلفاته التي شكلت مصدر إلهام للأجيال.
ولطالما عبّر كنفاني عن إنجاز الشعب الفلسطيني قائلاً: "قلنا للعالم بأننا شعب صغير وشجاع، وسيقاتل حتى آخر قطرة دم كي نجلب العدالة لنا بعدما فشل العالم بذلك".
ووصف محادثات السلام الإسرائيلية بأنها "استسلام"، والحديث مع قادة الاحتلال بأنه "محادثة بين السيف والرقبة".
كنفاني، فلسطيني حمل الفكر المناضل وعبر عنه بالأدب والإعلام والسياسة، وأوصل صوته عبر تدريس الاجئين بالمخيمات، وبالروايات والكتب، وفي مقالات نشرت بمجلة "الرأي" التي تصدرها حركة القوميين العرب، ومجلة "الهدف" الناطقة باسم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وكتب بشكل أساسي بمواضيع التحرر الفلسطيني.
كان محبوبا من جميع الفصائل الفلسطينية، ولديه قاعدة جماهيرية كبيرة، وطالب مراراً خلال أحاديثه بالتمسك بالقضية الفلسطينية، قائلاً: إن "الإنسان هو في نهاية الأمر قضية؛ إذا كنا مدافعين فاشلين عن القضية، فالأجدر بنا أن نغير المدافعين، لا أن نغير القضية".
وفي عام 1948 أجبر كنفاني وعائلته على النزوح وشهد النكبة في طفولته، وهرب إثرها مع عائلته سيراً على الأقدام، فعاش في سوريا، ثم في لبنان حيث حصل على الجنسية اللبنانية. وأكمل دراسته الثانوية بدمشق وحصل على شهادة الثانوية السورية عام 1952. وفي العام ذاته التحق بكلية الأدب العربي بجامعة دمشق، ونال إجازة في الأدب وكانت الرسالة التي قدمها بعنوان "العرق والدين في الأدب الصهيوني".
ولكنه انقطع عن الدراسة في نهاية السنة الثانية، وانضم إلى حركة القوميين العرب.
وذهب إلى الكويت حيث عمل في التدريس الابتدائي، ثم انتقل إلى بيروت للعمل بمجلة الحرية التي كانت تنطق باسم الحركة مسؤولاً عن القسم الثقافي فيها، ثم أصبح رئيس تحرير جريدة (المحرر) اللبنانية، وأصدر فيها (ملحق فلسطين)، ثم انتقل للعمل في جريدة الأنوار اللبنانية وحين أُسست الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين عام 1967 أسس مجلة ناطقة باسمها حملت اسم "مجلة الهدف" ورأس تحريرها، كما أصبح ناطقاً رسمياً باسم الجبهة.
أما إنتاجه الأدبي فكان متفاعلاً دائما مع حياته وحياة الناس، وفي كل ما كتب صوّر واقعا عاشه أو تأثر به.
ففي روايته "عائد إلى حيفا" وصف رحلة مواطني حيفا في انتقالهم إلى عكا، وقد وعى ذلك وكان ما يزال طفلاً يجلس ويراقب ويستمع، ثم تركزت هذه الأحداث في مخيلته فكتبها. ومُثلت أحداثها من خلال فيلم.
وحكى في "أرض البرتقال الحزين" قصة رحلة عائلته من عكا وسكناهم في الغازية. أما "موت سرير رقم 12" فاستوحاها من مكوثه بالمستشفى بسبب المرض.
وأكثر رواياته تأثيراً كانت "رجال في الشمس"، التي استوحاها من حياته وحياة الفلسطينيين بالكويت، وعكس فيها عودته إلى دمشق في سيارة قديمة عبر الصحراء، وكانت ترمز وتصور ضياع الفلسطينيين في تلك الحقبة وتحول قضيتهم إلى قضية لقمة العيش مثبتاً أنهم قد ضلوا الطريق.
وله العديد من المؤلفات منها: "ما تبقى لكم"، و"أم سعد"، و"من قتل ليلى الحايك؟".
فيما انتهت حياته قبل أن يُكمل ثلاث روايات، هي: "العاشق"، و"الأعمى والأطرش"، و"برقوق نيسان"، والتي نشرت بعد استشهاده ثلاثيّة غير مكتملة، معاً.
ومن الدراسات التي تركها كنفاني هناك "أدب المقاومة في فلسطين"، و"في الأدب الصهيوني"، و"الأدب الفلسطيني المقاوم".
وبعد اغتياله، ترك كنفاني وراءه زوجته الدنماركية التي التحقت بقافلة المناضلين من أجل فلسطين، وطفلين هما فايز وليلى.
*المصدر| موقع "الخليج اونلاين"